أنهى الملك في لقائه مع لجنة الحوار الوطني بشكل قاطع السجال حول ضمانات الإصلاح، والتي تتجسد اليوم في تبلور إرادة سياسية بالتقدم السريع نحو مسار إصلاحي جاد، يمثل هذه الإرادة رأس الدولة، ما ينقلنا نحو مربع جديد طالما انتظرناه يلخص بالوضوح السياسي نحو الإصلاح ونحو ما نريد من هذا الملف ويخرجنا من حالة الغموض.
وبوضوح أكثر، توجد لدينا اليوم خريطة شبه متكاملة حول ما هي الحدود والسقوف التي يمكن أن تمضي نحوها لجنة الحوار الوطني، وما هي الضمانات المتوفرة لها، وكذلك الأمر المؤسسات المعنية باستكمال سن التشريعات، والمؤسسات المعنية بتوفير بيئة معافاة تضمن الانتقال السلس والهادئ نحو مرحلة إصلاحية حقيقية.
الإصلاح يحتاج إلى روح إصلاحية جادة، ويحتاج إلى قيم إصلاحية مسؤولة، ما يعني بوضوح آخر أننا في هذه اللحظة الحساسة والدقيقة بأمسّ الحاجة إلى الوضوح الوطني الذي يعتصم بقيم الانتماء وروح الإصلاح معا، وينهي لعبة المناورة باسم هذا أو ذاك، فاللغة السياسية الدائرة حول مفاهيم الموالاة والإصلاح وتقسيم المجتمع على أساسها، لغة مسروقة من مجالات سياسية أخرى، وتحمل تقسيما وفصلا تعسفيا، وهي لغة مريضة تعيدنا إلى العقل السياسي العربي التقليدي النكد الذي أهدر قرنا كاملا من العمر الحضاري في البحث خلف ثنائيات تعسفية. الوضوح الوطني من أجل الإصلاح والانتماء، ومن أجل حماية قيم الدولة الأردنية والدفاع عن مستقبل أبنائها، يعني أن الفرز على مبدأ واحد لا يقبل القسمة ولا الفصل، وهو مبدأ الوضوح الوطني بالدفاع عن الحق في الإصلاح والتحديث كما هو الحال في الدفاع عن قيم الانتماء والهوية والوطنية.
وكما أنه حان الوقت لإحداث قطيعة مرنة مع حالة الطوارئ التاريخية، كذلك حان الوقت للخروج من إستراتيجية الغموض نحو المزيد من الوضوح المسؤول. في الحالة الأولى كانت البلاد تبدو وكأنها تدار من خلال ما تمليه إرادات الصراع الخارجية، وعلى هذا الأساس حُرم المجتمع والدولة معا من الحق في الإصلاح الاجتماعي والسياسي لعدة عقود، حتى كدنا أن نصدق أن الإصلاح السياسي والديمقراطية في الأردن ليسا شأنا محليا أو سجالا تشريعيا أو حتى صراع تيارات سياسية واجتماعية محلية، بل شأن خارجي لا يمكن أن يتحقق بشروط محلية.
الوضوح الوطني اليوم يعني الكف عن استعراض القوة في الشارع، والكف عن لغة الاستقطاب والاصطفاف، ودعوة قادة الرأي والمؤسسات الأهلية لتحمل المسؤولية الأولى في التخلص من ثقافة الاصطفاف والاستقطاب، فجيل الشباب الذي يشكل أكثر من ثلثي المجتمع لا توجد لديه ذكريات ولا خبرات ولا روح استقطابية.
لم نوفق في إنتاج «رأس المال الاجتماعي» الذي يشكل الأرض الخصبة للإصلاح في القيم والمعاني والإرادة المشتركة والتمأسس أي تبلور «الجماعة الوطنية المدنية» التي تتجاوز الآفاق الضيقة وتعمق استيعاب المجتمع للإصلاح وتبني الثقة داخل المجتمع وتحرص دائما على إبقاء خطابات الإصلاح والتنمية السياسية في دائرة الحكمة والعقلانية واستشعار المصالح الوطنية بحساسية واضحة، وهذه اللحظة التاريخية كما تحتاج إلى الوضوح فهي أكثر لحظة حرجة لإفراز الكتلة أو الجماعة الوطنية الأردنية.
FacebookTwitterطباعةZoom INZoom OUTحفظComment
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد