ختمت مقالي قبل ثلاثة ايام عن البطالة التي تنتظر الأسير المحرر سلطان العجلوني وفي اليوم نفسه كانت رئاسة الحكومة تطلب مؤهلاته وتنظر في تدبير عمل له ولزملائه المحررين الثلاثة. وأمس كانت الزميلة "العرب اليوم" تكشف أن المكتب الهندسي الذي حصل على عطاء الإشراف على المدينة الصناعية في العقبة يعود لزوجة المسؤول الأول لمنطقة العقبة الخاصّة، وفي اليوم نفسه اعلن رئيس مؤسسة المدن الصناعية بناء على طلب من رئيس الوزراء إلغاء احالة العطاء على المكتب المذكور. وقبل اسابيع نشرت بعض وسائل الاعلام ان إحدى الشركات الفائزة بعطاءات "سكن كريم" الذي تشرف عليه وزارة الأشغال العامّة والإسكان تعود لوزير الأشغال نفسه؛ فتقرر على الفور سحب الشركة وفيما بعد جرى تعديل كل الآلية لتصبح اكثر واقعية وأقلّ كلفة.
الحكومة تظهر فعالية وسرعة في القرار, وأسمع من أوساط مختلفة تقييما متفقا عليه ان رئاسة المهندس نادر الذهبي تتسم بالفعالية والحسم، وسمعت من نواب أن القضايا لا تتأخر عند الرئيس وهو يعطي الجواب بسرعة سلبا أو ايجابا أو يعطي لنفسه مهلا محددة يلتزم بها اذا قرر ان الأمر يتطلب الدرس.
قد تبدو استجابة الحكومة الفورية تداركا فقط لما يفضحه الإعلام. لكن بشيء من حسن النيّة يمكن أن نفترض ان الرئيس لا يحيط بكل التجاوزات، واذا كان المسؤولون يتغاضون أو يجهلون أو يتجاهلون أو يجتهدون في تفسير النصّ القانوني الذي يحرّم ان يكون للمسؤول أو لأي من أقاربه من الدرجة الأولى أي مصالح مع المؤسسة العامّة التي يرأسها أو يكون عضوا في مجلس ادارتها، فإنه يسجّل للإعلام اثارة هذه القضايا ويسجّل للرئيس استجابته الفورية لتصويب الوضع. وهو على كل حال اظهر الارادة والقدرة على التصويب في غير محطّة بدا فيها وكأن الأمور تجري خارج القنوات النظامية والرقابة المؤسسية، واذا أخذنا قضية بيع مبنى القيادة العامّة الجديد مثالا فها نحن نرى الأمر يخضع الآن لآلية معلنة ومفهومة حيث يتمّ استدراج عروض أحدها عرض مؤسسات الأمم المتحدة التي تحتاج مقرا اقليميا يتمتع بمواصفات أمنية معينة لا تتوافر في المباني العادية التي تتوسط الأحياء وتسبب الاجراءات الأمنية فيها ازعاجا ومشاكل للسكان.
من بين المبررات التقليدية للتغول على ولاية الحكومات البطء والبيروقراطية والعجز وتواضع الإنجاز، ولعلّ الكفاءة والسرعة و الديناميكية تقوي موقف الحكومة وتقلل مبررات التدخل والدخول على الملفات المختلفة، أقله ما يتعلق بالملفات غير السياسية، والحكومة في الواقع لم تقدم نفسها كحكومة سياسية والرئيس لا يرغب بأكثر من تقديم ادارة ناجحة وفعّالة، وهو على ما يبدو يحقق نجاحا واضحا يتكامل مع نجاحه في المعركة الصامتة للسيطرة على المسؤوليات والصلاحيات التي لا يريد تجاوزها ولا يريد من الآخرين التجاوز عليها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جميل النمري