ليس من قبيل المصادفة ان يتزامن التصعيد الدموي الذي تشهده غزة مع الحديث عن تصفيات حساب داخلي يتعلق بصواريخ القسام، التي لا تسمن ولا تغني من جوع في سياق الاستراتيجيات الميدانية العسكرية، بل ان عمليات الانتقام التي تقوم بها آلات القمع الاسرائيلية، تهدف في اطارها العام الى كسر ارادة الشعب الفلسطيني في تطوير استراتيجيات جديدة للمقاومة من جهة، وإلى خلق حالة من القطيعة الكاملة بين غزة والضفة الغربية من جهة ثانية. والخوف الحقيقي يتمثل في استمرار بعض القوى والفصائل الفلسطينية التي تمارس تواطؤا مع قوات الاحتلال في سياق كسر هذه الارادة.
حمام الدم الذي تشهده غزة لا يحتمل السكوت عليه، والحصار الذي اكل الاخضر واليابس مهد كثيرا لفرض سياسة العزل تلك والاقصاء عن رحم الضفة الغربية، بل ان المحرقة بدأت فصولها منذ ايام الحصار وليس العدوان الحالي، ويخشى ان تؤتي اوكلها قريبا عبر التمهيد لعدوان جديد على المنطقة ومرة اخرى ستكون ساحة الحرب القادمة لبنان، اذ تشير بعض القراءات المتئنية أنّ هذا العدوان وهذا "الهلوكست الغزي" تمرين ميداني للمعركة القادمة.
ليس من قبيل المصادفة تزامن هذا العدوان الهمجي على غزة مع وجود المدمرة الاميركية "كول" قبالة السواحل اللبنانية، التي اصبح وجودها يشكل نكتا شائعة في اوساط فريق الاغلبية، فلو كانت قوى 14 آذار هي التي استدعت المدمرة "كول" الى مقربة من السواحل اللبنانية، لكانت طلبت من واشنطن ارسال سفينة حربية حديثة على الاقل، لا قطعة بحرية عتيقة بعدما تعرضت للتفجير في اليمن قبل سنوات.
هذا التندر في اوساط النخب السياسية وسط الانقسام السياسي الحاد الذي يعيشه اللبنانيون يشير الى مدى خطورة المرحلة القريبة القادمة، فالكل في لبنان يضع يده على قلبه خوفا من القادم، ويرون ان ما حصل في غزة من حمام دم يشكل خطوات حثيثية نحو المعركة القادمة في لبنان، التي باتت قاب قوسين او ادنى. وكل ذلك يأتي في حالة من الشلل تعتري النظام العربي، الذي لم يعد قادرا على ترويج مزيد من الحجج الواهية على شعوبه.
وسواء عقدت القمة العربية في دمشق او غيرها من العواصم العربية التي تنوء بثقل المصائب التي تجتاح فلسطين والعراق ولبنان، فلن يتوقف العدوان على غزة ولن تتراجع الدولة العبرية عن مشروعها المؤجل مرحليا للعدوان مجددا على لبنان، الذي تراه في عيون اللبنانيين ويعبر عنه المثقفون في جلساتهم وكتاباتهم. ففي بيروت هنا تقف على مرمى حجر من حرب قرعت طبولها الاولى في غزة والدم الفسطيني ينزف من  دون ان يفرق بين شيخ وطفل وامرأة.
وفي سخرية وتهكم منقطع النظير قابلني احد الاصدقاء مستغربا وجودي في بيروت، بعدما أوعزت بعض السفارات العربية لرعاياها بضرورة مغادرة لبنان، قائلاً: "نحن نريد ان نترك بيروت وانت قادم اليها"، هكذا بدا المشهد في لبنان بعد وصول المدمرة "كول" وفي سياق العدوان الهمجي على غزة.
هل سيبقى النظام العربي يقف على الحياد حيال كل ما يجري؟ وهل باتت هنالك مقاربة بضرورة ان يبقى النظام العربي على حياده خشية من انحياز بعض اطرافه الى آلات العدوان الاسرائيلي الاميركي! نخشى اننا سنرفع شعارا يدعو الى ابقائه على الحياد.. حفظا لماء الوجه!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جهاد المحيسن