"بكفينا حرب وموت وخراب" هكذا بدت صورة لسيدة لبنانية بثتها إحدى المحطات الفضائية العربية عندما سألها مراسل تلك المحطة عما يحدث في لبنان، صور حقيقية تعبر عن واقع حقيقي ترفضه الأكثرية الصامتة في لبنان للعودة إلى لغة التحاور بالسلاح، فثمة إجماع وطني على مستوى المواطنين بضرورة تجنيب هذا البلد ويلات الحرب الطائفية التي ما يزال اللبنانيون يعيشون آثارها إلى اليوم، والتي كان من نتائجها المروعة على الشعب اللبناني عشرات الآلاف من القتلى وعشرات الآلاف من المهجرين وقريب من تلك الأرقام كذلك من المفقودين والمخطوفين.
تلك السيدة التي تتجاوز الخمسين من العمر ليست محسوبة على أي طرف سياسي في المعادلة اللبنانية، وهي تؤكد بصرختها تلك أن هذا الشعب فعلا قد مل من الحروب الأهلية وان ثمة نزوعا لدى من عاش ويلاتها من اللبنانيين للعيش بسلام، ولكن الأسبوع المنصرم كاد أن يكون عكس ذلك، إذ أعاد إلى أذهان اللبنانيين أتون الحرب الأهلية التي تأكل الأخضر واليابس، وتعميق الانقسام الطائفي عبر تغيير معادلة الصراع السياسي على مستوى القوى والأحزاب السياسية الموجودة في لبنان بصرف النظر عن جذورها الطائفية إلى القواعد الاجتماعية للمواطنين العاديين الذين هم وقود تلك الحرب التي لا قدر الله لها أن تحدث، في أعنف أزمة سياسية يمر بها لبنان منذ الحرب الأهلية.
لذلك ومع بدء جميع الفرقاء اللبنانيين الحوار في الدوحة لابد من التأكيد على أن الحوار يجب أن يصل إلى حلول جادة بعيدة عن التجاذبات الإقليمية والدولية لإنهاء الأزمة السياسية التي تشل البلاد منذ 18 شهرا، وكادت أن تُدخل لبنان في حرب أهلية، هذا الحوار قد يكتب له النجاح إذا ما توفرت الإرادة الكاملة من قبل السياسيين اللبنانيين للتوصل لحلول حقيقية تساهم في عودة الأمور إلى طبيعتها.
فعلى الرغم من أجواء التهدئة التي تشهدها لبنان حاليا إلا أن هناك شعورا عاما بالإحباط من بقاء الدولة رهينة الصراع السياسي بين الأكثرية والمعارضة، حيث لا الأكثرية تتجاوب مع مطالب المعارضة ولا المعارضة تتنازل عن سقف المطالب والشروط التي تتبناها.
وفي المحيط الدولي ما تزال تداعيات الأزمة مستمرة والتحليلات والأفكار الناتجة عن أيام الصراع الدموي التي جرت في بيروت وبعض المناطق الأخرى تتواجد بقوة في متن الصحف العالمية بشتى أنواعها وتوجهاتها، في حين يعيش المواطن اللبناني حالة قلق وترقب، القلق مبعثه عودة شبح الحرب الأهلية والترقب لقمة الدوحة التي ينظر إليها كخلاص أخير في سلسلة الصراع السياسي الدائر حاليا في لبنان، حيث يقف الجميع هناك أمام مسؤوليتهم التاريخية تجاه وطنهم وشعبهم لتجاوز محنة استمرت طويلا ويدفع المواطنون اللبنانيون ثمنها دون أن تكون هنالك معادلة سياسية اجتماعية تستطيع أن تخلص لبنان من مأزقه، وتعيد الهيبة للدولة اللبنانية التي فقدتها مع انسحاب المعارضة منها، وأصبحت تلك الهيبة في مهب ريح الاعتصامات والعصيان المدني من قبل المعارضة وكذلك القرارت العشوائية التي تصدر من قبل الحكومة، وبين هذين الطرفين الموالاة والمعارضة يتدخل كل العالم بشرقه وغربه وعربه وعجمه.
ونخشى أن تغيب في مؤتمر الدوحة صورة تلك السيدة عن أذهان الفرقاء في الطبقة السياسية اللبنانية التي فعلا قد عبرت عن حجم معاناة الأكثرية الصامتة من اللبنانيين الرافضين لعودة لبنان إلى مرحلة ما قبل اتفاق الطائف.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جهاد المحيسن