الصدمة الثورية التي تقدمها المجتمعات العربية منذ مطلع هذا العام تضيف حيوية جديدة تنتشر في انحاء متعددة من العالم، ربما من المبكر الحديث عن عمق تلك الآثار على العرب انفسهم وعلى المجتمعات الاخرى وعلى الأطر النظرية المفسرة لعلاقات القوة وللتغيير ومناهج بناء الديمقراطيات، ثمة طاقة جديدة وحيوية مختلفة تجد صداها في اكثر من مكان، ويعكسها وعي انساني جديد يتشكل في هذا الوقت.
في التجربة الاسبانية يصر المئات من الشباب الاسبان منذ اكثر من ثلاثة اسابيع على عدم مغادرة ساحة (بويرتا ديل سول) في وسط العاصمة مدريد بعد أن بنوا عشرات الخيم من البلاستيك الازرق على الطريقة المصرية ونشروا آلافا من الصور والشعارات وغيروا اسم الساحة الى ساحة الثورة، بينما يرفرف العلم المصري في اكثر من مكان وتنتشر شعارات باللغتين العربية والاسبانية تمجد الثورات العربية فيما يرفع شباب اسبان العلم السوري وتتوسط نجومه كلمات بالاسبانية (لن نترك سورية وحيدة).
مطالب الثوار الاسبان الجدد تتلخص بالحاجة الى ديمقراطية جديدة، وهنا تكمن الروح الجديدة والحيوية المختلفة. صحيح ان الشعارات واجندة المحتجين تذهب نحو تعزيز الخدمات الاجتماعية ومحاربة البطالة التي تجاوزت 21 %، واتخاذ سياسات اقتصادية واجتماعية اكثر عدالة وتخدم مصالح الشعب لا مصالح الشركات والبنوك والمؤسسات التجارية، والتوقف عن سياسات التقشف الاقتصادي في قطاعات التربية والصحة ومكافحة الفسـاد، وتوفير مستقبل أفضل للشباب والمتقاعدين فضلا عن اعادة صياغة قانون الانتخابات، حيث يشكل الشباب عماد الحركة الاحتجاجية. في المقابل حول إسبان آخرون مخيم المحتجين وسط العاصمة الى جزء من البرنامج السياحي لزوار المدينة، وهم يتندرون من الثوار الجدد وثورتهم.
الثورة المصرية حاضرة بطريقة أخرى في شوارع مدريد، فهي على واجهات المباني التراثية الرائعة وعلى واجهات حافلات النقل المتحركة بين أحياء المدينة على شكل إعلانات سياحية لزيارة مصر، حيث تقدم الثورة قيمة مضافة للبرنامج الترويجي التقليدية الذي توصف به مصر عادة، وهو ما تعكسه أحاديث الناس العاديين. إنها حيوية اخرى وبنكهة مختلفة أيضا.
وبينما جاءت نتائج الانتخابات المحلية والاقليمية قبل اكثر من اسبوع لصالح المعارضة، وشكلت اكبر نكسة سياسية للحزب الاشتراكي الحاكم، ومبرهنة على مطالب المحتجين الذين أطلقوا حملة احتجاجية شملت معظم البلاد، 52 مدينة ، فإن الطاقة الاحتجاجية الجديدة ربما تتجاوز حددود اللعبة الديمقراطية التقليدية.
هذا التفاؤل التاريخي والإنساني الذي تفتحه الثورات العربية، لا يخفي القلق المبرر على مستقبل الثورات المنجزة في مصر وتونس، أوالقلق على مصير اللعبة الدموية البشعة في ليبيا أو العناد غير المفهوم في اليمن. وفي الحقيقة نحن بحاجة للمزيد من القلق ايضا حتى ندرك ان التغيير ليس لعبة صغيرة يتم تمييعها، وان التاريخ لا يزورنا كل يوم، ومع هذا فإن منطق التفاؤل التاريخي يعيد في هذه اللحظات تأسيس الحياة من جديد، ويفتح المزيد من العيون على هذا الجزء من العالم. أما المفاجأة الحقيقية فأن تتحول هذه الثورات إلى ملهمة لشعوب العالم، حتى الديقراطية أيضا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد