توجد ثلاثة أمثلة حية وطازجة على الطريقة التي تجعل الحكومة تخسر إنجازاتها، وتبدو مرتبكة وتحاول التراجع هنا أو التأني والتوقف هناك، ما يجعلها تواجه مباشرة بالوصمة المعروفة: حكومة بطيئة مثقلة بالروتين والمرجعيات المتعددة، بينما تفقد سياسيا قيمة الإنجاز الذي حققته ويصبح خسارة من رصيدها.
يثبت ذلك الطريقة التي أخرجت فيها أو تعاملت من خلالها الحكومة مع ملفات قانون العفو العام، وخطة هيكلة الرواتب، والتعامل مع مخرجات لجنة الحوار. فالملفات الثلاثة تعد إنجازات وطنية، وبعضها يصل إلى حد إحداث اختراقات سياسية أو تنموية وإدارية. لكن بعضها خلّف حالة إرباك، وأوجد ردود فعل سياسية واجتماعية حادة. فحينما نراجع هذه الردود، نجدها أحيانا صاحبة الصوت الأعلى رغم أنها قد تعبر عن أقلية صارخة، تستند إلى اختلالات إدارية وفنية في طريقة إخراج القرارات أو بعض تفاصيلها الفنية، في المحصلة تضيف المزيد من الإرباك ويفقد الإنجاز قيمته ودوره.
الطريقة الغامضة التي ما تزال تتعامل فيها الحكومة مع مخرجات لجنة الحوار الوطني تجعل من حالة التوافق الوطني التاريخية التي تعد اختراقا سياسيا يجب أن تتغنى به الحكومة وأن تضيفه إلى رصيدها السياسي والاجتماعي، حالة مائعة لا قيمة لها، تولد حالة من الغموض والتردد تعطي في هذا الوقت القوى التقليدية في المعارضة والنظام الفرصة للعودة بقوة والتمترس من جديد، فيما غابت لمسة إعلامية بسيطة عن إخراج قانون العفو العام بطريقة تبيض وجه الحكومة قبل السجون، وتفسر الطريقة التي يمكن فيها للقانون أن يكون أداة للإنصاف وإعادة تدوير العدالة والتسامح.
منذ سنوات، بقي مطلب إعادة هيكلة رواتب الدولة قضية جوهرية في إصلاح الإدارة الأردنية بهدف تقليص الفجوة الهائلة في دخول موظفي الدولة. وحينما استطاعت هذه الحكومة تحقيق هذا الاختراق، وقعت في مطب بعض التفاصيل الفنية التي أصبحت هي العنوان، وغاب الجوهر الحقيقي للخطة، الأمر الذي يقودنا من جديد إلى مدى الحاجة إلى منظور جديد لاستعادة كفاءة الدولة. فمن المفارقات المضحكة والمؤلمة، أنه بينما كانت الحكومة منذ أشهر تعكف على إخراج هيكلة الرواتب، قام أحد كبار المسؤولين في الأقاليم التنموية، والذي كان مكلفا بالإنابة، برفع رواتب موظفيه إلى الضعف مرة واحدة من أجل استرضائهم، وكافأته الحكومة بتثبيته في موقعه.
ثلاثة أسباب جوهرية تجعل من الإنجازات حالة مربكة، وتجعل من الفرص أزمات في الحالة الأردنية الراهنة: الأول، منطق التفكير تحت وطأة الأزمة الذي يجعل من صانع القرار مرتبكا ويحسب حساب تفاصيل لا قيمة لها، ويتجاهل مسائل جوهرية، حيث يتحول إلى نموذج الإدارة من خلال الأزمة، أي أن يصمم عقل الدولة على أساس الأزمة التي تلقي بظلالها على تفاصيل القرارات والسياسات، وتصبح شرطا مسبقا في كل سياسة أو قرار. أما السبب الثاني، فهو ضعف المهنية والاحتراف في صناعة بعض السياسات، والذي يؤكد ضعف مطبخ صناعة السياسة والسياسات، ونقص الخبرة والخبراء في العديد من الحالات. فيما يتمثل السبب الثالث في ضعف الحضور والقدرة الإعلامية في النظام الإعلامي الرسمي على تقديم هذه القرارات والسياسات، واستمراره في نفس العدة والعتاد التقليديين.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد