بعد انتهاء المراحل الأولية في السباق الرئاسي الأميركي واتضاح شكل الصراع الدائر للوصول إلى البيت الأبيض في مطلع العام المقبل بين المرشح الجمهوري جون ماكين والمرشح الديمقراطي باراك أوباما، بات كلا المتنافسين في الحملة الانتخابية يقدم يوماً بعد يوم التنازلات والإغراءات لجهة التأثير الأكثر نفوذا في الأوساط الانتخابية والمالية الأميركية، ونعني بذلك دائرة اليهود الذين يسعى كل من المرشحين لتعزيز وجوده في تلك الدائرة التي تسهل عليه مهمة تعزيز نفوذه وقبضته على الرأي العام الأمريكي.
لذا أصبح الأردن في قلب دائرة الاستهداف الانتخابي لحملة الجمهوريين والمرشح الجمهوري ماكين هو النسخة الأخرى المتطرفة للرئيس بوش، ولذلك يجد ماكين ضرورة الاستمرار في دعم وتأييد المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي واليهود الأميركيين وصقور البيت الأبيض.
وقد وسع المرشح الجمهوري ماكين أطروحاته التي تهدف إلى دعم الجانب الإسرائيلي على حساب الأطراف العربية في معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي، وعلى هذه الخلفية تشير المعلومات بأن اليهودي الأميركي "روبرت كاغان" الذي يتولى مهمة مستشار جون ماكين لشؤون السياسة الخارجية قدم محاضرة ترويجية لحملة ماكين الانتخابية أكد فيها بأن ماكين سيعمل في حالة صعوده إلى البيت الأبيض من أجل تبني "الخيار الأردني" كحل نهائي للفلسطينيين.
ويشكل الثنائي اليهودي الأميركي روبرت كاغان خبير الجغرافيا السياسية ووليام كريستول رئيس تحرير مجلة ويكلي ستاندرد، الزعيمان الأبرز حالياً في أوساط جماعة المحافظين الجدد، ويعتبر كاغان أبرز مؤسسي مذهبية الريغانية الجديدة التي تعتمد التدخل العسكري الاستباقي كوسيلة للتعامل مع مصادر الخطر المحتمل وفقاً لمنظور الإدراك الأميركي.
يتعاون وليام كريستول مع كاغان في الوقت الحالي في القيام بمهمة وضع تصور مفصل لإستراتيجية السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط التي ستعتمدها إدارة جون ماكين في حال صعوده إلى البيت الأبيض. وقد قدم روبرت كاغان محاضرته أمام آلاف الطلاب والأكاديميين بجامعة نيويورك والتي تشير الى التبني الفعلي من قبل ماكين لاستراتيجية تطبيق الخيار الأردني كوسيلة للتخلص من الأعباء والضغوط الجارية في الشرق الأوسط بفعل تأثيرات قضية النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي حول أراضي الضفة الغربية.
والخطير في تلك الأطروحات التي يتبناها ماكين إلى الأردن باعتباره الوطن الطبيعي اللاجئين للفلسطينيين الذين ذابت أغلبيتهم العظمى في المجتمعات التي يعيشون فيها بحسب ما يرى منظرو ماكين وبقيت القلة التي تعيش حالياً في المخيمات وسيكون أمام هذه القلة اللجوء إلى أحد الخيارين:
* خيار البقاء في مكان التواجد الحالي.
* خيار الاستيطان في شرق الأردن.
وقد استخدم روبرت كاغان في محاضرته مصطلحاً جديداً هو "الأراضي الفلسطينية شرق الأردن" وقد طرح أحد الأكاديميين الأميركيين الموجودين في الندوة سؤالاً قال فيه: "هل يعني ذلك أن الضفة وغزة لن تكونا مكاناً لدولة فلسطينية مستقبلية وفقاً لإعلان جورج بوش 2003م"، وأجاب كاغان قائلاً: بأن الأردن يضم أغلبية فلسطينية ومن الطبيعي حين نتحدث عن الديمقراطية أن تحكم الأغلبية في بلدها. وبالتالي لن تكون هناك حاجة لدولة أخرى لأنها بالفعل موجودة وهي قائمة.
وبالنسبة للضفة الغربية فقد تحدث كاغان أن التجمعات السكنية الإسرائيلية ستبقى جزءاً من دولة إسرائيل والتجمعات السكنية الفلسطينية يتم تبادل الأراضي حولها بين الفلسطينيين والإسرائيليين بحيث يتم إعطاء الفلسطينيين أراضي الضفة الغربية المتاخمة لشرق الأردن بحيث تكون امتداداً للدولة الفلسطينية من أراضي الضفة الغربية التي تمنح للفلسطينيين، وحتى حدود العراق– الأردن.
مجمل هذه التصورات الخطيرة على الكيان الأردني والفلسطيني على حدا سواء، يجب أن تؤخذ على محمل الجد وتضعنا أمام خيار واحد يتمثل بالحوار الصريح والجاد حول مستقبل اللاجئين في الأردن وتبني بشكل عملي خيار حق العودة بما يضمن عودة اللاجئين إلى وطنهم، كذلك العمل الجاد على دعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، بكل الخيارات المتاحة، بما فيها دعم المقاومة الفلسطينية بغض النظر عن خياراتها الأيدلوجية سواء أكانت إسلامية أم وطنية أم يسارية، لأن تلك الخيارات التي يتم الحديث عنها في السباق الرئاسي الحالي لا يمكن النظر لها على انها دعاية انتخابية، وكذلك لا يمكن وصفها ببالون الاختبار لقياس ردود أفعال الأردنيين على طرح مثل هذا الخيار فقط، بل هي تعبير حقيقي عن حجم الخطر، وكذلك تشكل خطرا على مجمل تاريخ القضية الفلسطينية، التي تؤكد الحوادث الجارية أن الحديث عن السلام مع العدو الإسرائيلي لا يعدو كونه خدعة بصرية لإخفاء حقيقة المخطط الصهيو-أميركي للمنطقة والمتمثل بابتلاع كل فلسطين والتقدم شرقا نحو الأردن، لتكملة هذا المخطط.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن