دوافع لجوء المستفيدين من مجتمع الدراسة إلى العلاج الشعبي: 
 
دوافع تعتبر في الغالب مستمدة من طبيعة الوظائف التي يضطلع بها. ومن خلال ما أكده لنا أفراد مجتمع الدراسة الميدانية، يمكن إيجاز هذه الدوافع فيما يلي:
 
-  ارتكاز العلاج الشعبي في عائلات معينة يعرفها مجتمع الدراسة ويثق فيها.
 
-  قصور خدمات العلاج الرسمي ، وعجزها أحيانا عن معالجة أمراض البيئة بكفاءة.
 
-  تيسر الحصول على العلاج في أي وقت وفي أي مكان ولو كانت المسافة بعيدة بين المعالج والمريض.
 
-  توافر أكثر من معالج في مختلف الممارسات العلاجية ، فإذا فشل أحدهم نجح الآخر في تقديم العلاج.
 
-  سهولة وبساطة الإجراءات العلاجية الشعبية.
 
-  مراعاة الخلفيات الاجتماعية والثقافية للمرض.
 
-  تقديم العلاج في صورة طبيعية مقبولة وبسيطة.
 
-  عدم وجود مضاعفات للأدوية الشعبية مثل الأعشاب ، فإذا لم تنفع لا تضر.
 
-  قلة تكاليف العلاج الشعبي – مقارنة بتكاليف العلاج الرسمي.
 
-  إن الطريقة العلاجية الشعبية تتضمن دواء وترويحا وتنفيسا ، وعلى هذا الأساس يزداد الإقبال على العلاج الشعبي.
 
-  الثقة كبيرة في العلاج الشعبي بحكم العراقة والمعايشة والنجاح الذي حققه – ويحققه – في مواجهة العلاج الرسمي.
 
الخصائص الاجتماعية والثقافية لمجتمع المستفيدين من العلاج الشعبي:
 
لقد أفادتنا الدراسة الميدانية على أن مريدي العلاج الشعبي من المرضى في تزايد مستمر من حيث التنوع والثقة الكاملة. غير أن الملاحظ أن هناك " تخصصا نوعيا " في بعض الممارسات العلاجية الشعبية. فالجبار الأكثر شهرة (لحول الميلود) منطقة ولهاصة – يعالج كل الفئات من الذكور والإناث ، على حين نجد بعضهم الآخر يعالج الرجال فقط.
 
كذلك لاحظنا على أن المستفيدين من العلاج بالأعشاب و النباتات من جميع الفئات والمناطق السكنية سواء بالمدن أو البوادي أو القرى رجالا ونساء. ولعل تنوع المستفيدين والشهرة يعتبران سببان رئيسيان في زيادة المستفيدين والتغاضي عن بعض الاعتبارات التقليدية مثل " التخصص النوعي " بتقديم الخدمة لنوع واحد (ذكور أو إناث) دون الآخر. إن جمهور المعالج بالأعشاب خاصة الحديث العهد نجد له مريدين يتنوعون بتنوع الفئات رجال ، نساء أطفال ، كبار السن والشباب من المتعلمين وغير المتعلمين. منطقة (تلمسان) (الرمشي) (سبدو) (الغزوات) ... الخ. وبعض المناطق المجاورة الأخرى.
 
المظاهر المستقبلية للعلاج الشعبي في مجتمع الدراسة:
 
 تتحدد مظاهر المستقبل من خلال مجموعة خيوط حول صورة الحاضر (الواقع) وامتداد تأثير الماضي (التراث). وتتمثل هذه الخيوط في الوضع الحالي للخدمات الصحية الرسمية ومدى فعاليتها وكفاءتها ، وسهولة الحصول عليها ، ومقدار تكلفتها المادية ، هذا زيادة على طبيعة السياق الاجتماعي والثقافي ومدى تأثيره في مجالات المرض والصحة.
 
وقد تأكدنا من خلال الدراسة الميدانية في مجتمع الدراسة أن العلاج الشعبي واسع الانتشار، عميق الجذور ، حقيق الثقة ، كفء العلاج، متنوع الممارسة ، متنوع المستفيدين. على حين يغلب على النسق العلاجي الرسمي الاغتراب والقصور وتجاهل السياق الاجتماعي والثقافي للمرض، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على الخدمات الصحية الرسمية وغلاء قيمتها ، وعدم توافرها بالقدر الكافي. وعليه امكننا القول أن العلاج الشعبي وجد ليبقى في الساحة الاجتماعية التي خلقت من المنافس القوي. وفي يلي ميكانيزمات بقاء ورسوخ العلاج الشعبي في مجتمع الدراسة خاصة – والمجتمع الجزائري عامة – لتتضح لنا معالم المستقبل :
 
1-  يؤدي اغتراب أعضاء النسق العلاجي الرسمي عن المرضى بمجتمع الدراسة إلى استمرار الثقة في العلاج الشعبي والاعتماد عليه. ولعل هذا الاغتراب يمكن زواله لو تخلى أعضاء  النسق العلاجي الرسمي عن تطبيق الحرفي للنموذج البيولوجي والإكلينيكي وفي تقديم الخدمات العلاجية ، واعترفوا بالنموذج البيولوجي الاجتماعي والخلفيات الثقافية والاجتماعية للمرضى (11).
 
2-  إن ايكلولوجيا الجزائر قد لعبت باتساع رقعتها وتوافر التغطية النباتية (الأعشاب والنباتات العلاجية) وكذا المصادر العلاجية الأخرى دورها في زيادة الاعتماد على العلاج الشعبي. كما أدت من جهة أخرى إلى رفض الأطباء العمل في المناطق النائية والمحرومة من الخدمات الصحية الرسمية ، الأمر الذي ساعد على تفرد العلاج الشعبي في الساحة بلا منازع.
 
3-  نتج عن قصور الخدمات العلاجية الرسمية انصراف المرضى إلى العلاج الشعبي مع زيادة الثقة فيه مثل العلاج بالأعشاب و الكي والتجبير والتوليد والحجامة والمسد والعلاج بالقرآن الكريم ... الخ، كما ساهمت كثرة تكاليف ومبالغ العلاج في اللجوء إلى العلاج الشعبي زهيد التكاليف ، وسهل المنال.
 
4-  أدت كثرة الإجراءات العلاجية في الطب الرسمي في التشخيص من (إشعاعات وتحاليل وفحوصات) واستغرق الوقت الأطول ، ووجود بعض الآثار الجانبية للأدوية الحديثة  إلى الإقبال وبدون انقطاع على العلاج الشعبي والاعتماد عليه مثل العلاج بالأعشاب الذي لا يضر إذا لم ينفع ، والجبار الذي يعالج العظام بالجبائر وفي خلال دقائق وبدون جبس ومضاعفات ، والمعالج بالكي الذي لا يطول علاجه أكثر من أيام قليلة ... الخ.
 
5-  أدى تفوق العلاج الشعبي في بعض الأحيان على العلاج الرسمي في المنافسة العلاجية  إلى زيادة الاعتماد عليه والثقة فيه. وللتراث الاعتقادي دور واضح في هذه الثقة ، وفي تقديم البدائل العلاجية للأمراض التي يعجز العلاج الرسمي علاجها. ومن ذلك أن العشاب والجبار مثلا يبتكران في أساليب العلاج ، ويطوران من خبراتهما بإجراء التجارب واستخلاص أدوية عشبية جديدة. ولعل العشاب الحديث مثال على مرونة العلاج الشعبي وسعيه الدائم لتثبيت أقدامه.

المراجع

altibbi.com

التصانيف

طب   صحة   العلوم البحتة