هل يمكن ان نعزو تراجع الأداء العام، وتراجع كفاءة الدولة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة تحديدا إلى تراجع أصاب مؤسسات صنع السياسات والقرار وافقادها البوصلة في الكثير من الأحيان كما يحدث في تكوين الجيل الأخير من الحكومات الأردنية، وهل نحن أمام تحول خطر نفقد من خلاله واحدة من الميزات التي تمتعت بها الدولة على مدى عقود والمتمثلة في القدرة على تقدير الموقف الاستراتيجي الداخلي والإقليمي والاستجابة الذكية لمتطلباته.
على مدى عقود كانت القدرة المتقدمة على تقدير الموقف والتكيف الايجابي معه واحدة من الأصول والموارد الأساسية للنظام السياسي، تلك القدرة حمت الدولة ونظامها السياسي وكانت المورد الأغلى والأغنى لبلد يصف نفسه بأنه محدود الموارد، ومن خلال هذه القدرة يمكن تفسير حالة الاستقرار والاستمرار، فالقدرة والحساسية العالية على تقدير الموقف هي التي تمكن من اتخاذ القرارات الصعبة في اللحظة الملائمة وهي التي تمكن من إحداث قطيعة مع عهد بأكمله وان تقول كفى في الوقت المناسب.
حيث توجد محطات صعبة ومعقدة عبرتها البلاد بأمان، كان الرهان الوحيد هو القدرة على تقدير الموقف والاستجابة لمتطلباته، ولعل آخر تلك المحطات حرب احتلال العراق وتداعياتها.
يبدو الاختلال الواضح ليس فقط في تكوين النخب بل فيما يتبع ذلك من الفجوة بين إدراك مصادر الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبين القدرة على تطوير الحلول والبدائل، فيما عمل التراكم السلبي على ضرب العلاقة بين المجتمع والدولة في العمق، وبدأ السؤال يدور حول استعادة الثقة، ولكن سوء تقدير الموقف يعمل عمله للمرة الألف ويدفع نحو الأدوات التقليدية ذاتها والحسابات العتيقة والعقيمة التي غادرها الشارع، بل تعد احد مصادر التأزيم التي ستجعل المجتمع والدولة يدفعان ثمن استمرارها.
ما تزال الخطة البديلة غير موجودة وعلى أحسن تقدير غير ناضجة، ما قد يُدخل البلاد في نوع من الفراغ السياسي مع استمرار تراكم أنماط مباغتة من أزمات الاختلالات السياسية والاقتصادية الاجتماعية، حيث لم يطور صناع القرار الأردني إلى هذا اليوم نموذجهم الخاص بالبحث عن بدائل الإصلاح والتعامل مع الأزمات بالطريقة والمنهج والمحتوى الذي يخدم الأهداف الإستراتيجية للدولة.
الحقيقة الأردنية التي تثبتها التحولات الاجتماعية والاقتصادية المركزة خلال السنوات الأخيرة تقول إن إصلاح المشاركة السياسية وربطها بالتنمية هي مصلحة أردنية صرفة وقضية مصيرية لحفظ معادلة الاستقرار التي راهن الأردن عليها على مدى عقود طويلة، وسوء تقدير الموقف حول هذه المسألة بسّطها بطريقة ساذجة وحوّلها إلى مجرد استرضاء مناطقي أو للبحث عن نخب تقليدية باعتبارها وكيلة عن تلك المجتمعات وقادرة على نزع فتيل الأزمة.
إن مصادر تهديد الاستقرار على المدى المتوسط داخلية بالدرجة الأولى وترتبط بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عملت على مدى هذه السنوات على تهميش أكثر من ثلثي البلاد وجعلت المجتمعات المحلية تعيش حالة من الحرمان والغربة عن الدولة، بعد الاختلالات التي أحدثتها عملية صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع والسوق، ولأن هذه النتيجة جاءت بفعل قرارات سياسية وذهنية سياسية أدارت البلاد على مدى عقدين، فإن من السذاجة قراءة المشهد بأدوات اقتصادية وتنموية فقط، تختصر المسألة بحفنة فقراء تعرف الدوائر الرسمية من يقدر على تهدئتهم.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد