يذكرنا اليوم العالمي لمكافحة الفساد، أن الحكومة الحالية لن تكسب درجة واحدة في استعادة ثقة الناس بدون إجراءات جريئة وواضحة في ملف الفساد، فكما أن أي تطور إيجابي في هذا الملف يلقى استجابة شعبية سريعة على سلم استعادة الثقة، فإن الطريق لبناء مناعة وطنية ضد الفساد وإجراءات حريصة على النزاهة وواضحة لا تحتاج للتسويف والترحيل والانتظار، ولكي نكون أكثر وضوحا فإن كل يوم تفقده الحكومة بدون إجراءات حاسمة في هذا الملف سوف يبعدها شهورا عن هدفها المركزي في استعادة ثقة الناس.
  تراجعت مكانة الاردن ست درجات عن العام الماضي على مؤشر الفساد الذي أصدرته مؤسسة الشفافية العالمية مؤخرا وجاء ترتيبه 56 عالميا، والسادس عربيا بعدما كان في العام الماضي  في الترتيب الخامس، في الوقت الذي شهد فيه هذا العام زخما غير مسبوق في الحشد والتعبئة ضد الفساد، حيث اصبح العامل المشترك في الخطاب الاصلاحي والمطلب الاول للحراك الشعبي. إن تراجع قدرة الدولة وتباطؤها في بناء مناعة وطنية ضد الفساد، أي منظومة نزاهة وطنية محكمة في التشريعات والممارسات، أصبح مصدر التهديد الداخلي الاول بكل ما يقود اليه ذلك من تدمير شبه منظم للرأس مال الاجتماعي الوطني، والإمعان في إفشال التنمية وضرب التغير الاجتماعي؛ فالفساد الاقتصادي والاداري يضرب كافة تفاصيل الحياة العامة والخاصة.
 الزخم وقوة الدفع في محاصرة منافذ الفساد، وتقديم الملف تلو الملف خلال هذا العام، تحول الى مجرد أداة من أدوات تفريغ الحالة السياسية الراهنة في البلاد، وأحيانا اخرى مجرد مناورة سياسية ودعاية رسمية. كل ما يتطلع اليه الاردنيون في هذا الوقت كيف نمأسس بنية مؤسسية متينة في سد منافذ الفساد ومحاصرته، من خلال بناء مقاومة ذاتية في المؤسسات والمجتمع تجتث كل جذور الفساد وتؤكد أن يد المؤسسات الرقابية طويلة ويمكن أن تصل كل مكان، كما يمكن أن تصل إلى ملفات مضى عليها عشرون عاما وأكثر.
 تزداد قوة التيار الذي يسعى إلى إضفاء المزيد من التسييس على ملف الفساد، وإخراجه من سماته المالية والإدارية والقانونية، وإدخاله في لعبة الصفقات والتسويات تحت حجة استعادة ما يمكن من حقوق الناس والخزينة، وعلى وجاهة بعض المبررات التي تطرح في هذا السياق فإن تسييس ملف الفساد في الاردن في هذه المرحلة لا يعني أكثر من شكل آخر من المناورات وشراء الوقت والهروب من الاستحقاق القانوني.
الناس لا ينتظرون ان يشاهدوا أعواد مشانق معلقة في ساحة النخيل للفاسدين، بل مجرد إجراءات قانونية وقضائية جادة وحاسمة تعيد معنويا التوازن الاجتماعي، وتذكر بالحاجة إلى الحكم الرشيد، فالاستمرار في تفريغ الحالة السياسية بتقليب ملفات الفساد بدون حسم جاد أخطر بكثير مما لو تركت هذه الملفات على حالها.
 هناك رغبة رسمية في وصف التعبئة ضد الفساد بالمبالغة، ولديها أرقامها التي تقارن الأوضاع المحلية كالعادة بالنماذج السيئة في الاقليم، فالمسألة لدينا لا تلائمها تلك المقارنات؛ فالأجيال القادمة أصبحت خياراتها المستقبلية محدودة فوق هذه الأرض في ضوء معادلة الموارد الراهنة، إذا ما أضيف إلى ذلك تداعيات الأزمة الاقتصادية والفوضى السياسية التي تضرب بالاقليم، ما يجعل البلاد لا تحتمل استمرار الوضع الراهن في التعامل مع الفساد، وما يجعل هذا الملف مصدر التهديد الداخلي الأول وبدون منازع.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد