نتضامن مع حركة الإخوان المسلمين وجناحها السياسي في التنديد بحرق مقر حزبها في المفرق، ونشجب هذا السلوك الأرعن مهما كان فاعلوه، فهو ينتمي الى قيم ما قبل الدولة، كما نتضامن مع حق أي جماعة أردنية مهما كان لونها السياسي والاجتماعي إذا ما اغتصب حقها في التعبير السلمي عن مواقفها، لكن الذي لا يجوز أبدا الصمت عنه، ولا بأي شكل من الأشكال، هو الدعوة غير المسؤولة التي نسبت إلى جماعة الإخوان المسلمين والتي تدعو صراحة إلى تشكيل المليشيات والعصابات للدفاع عن النفس، في إشارة الى فراغ أمني تشهده البلاد، والتي فسرها البعض بأنها دعوة ضمنية للدم وإشعال الفتنة.
هذه الدعوة غير المسبوقة في تاريخ الحركة وفي تاريخ القوى السياسية الأردنية المعاصرة تحتاج إلى التوقف المباشر، وتحتاج إلى لفت الانتباه إلى حجم القراءة الخاطئة التي قد تقع فيها الحركة بفعل الانسياق وراء حرارة العواطف الملتهبة في الإقليم والانجرار وراء إغراءات السلطة.
لا يجوز بأي حال الصمت على تخوين المجتمع الأردني ووصفه بأوصاف غير لائقة وحصر الحق في التعبير عن الرأي بفئة واحدة من المجتمع ومن يعارضها يوصف بالزعرنة والجهل، فهذا الخطاب الذي صيغ ودبر في بيئات تختلف ظروفها وأوضاعها عن الأردن لا يمكن أن ينسحب على المجتمع الأردني، وسيدفع الجميع ثمنه غاليا حين لا تنفع الحكمة والتبصر.
الى هذا الوقت، ما يزال الرهان الحقيقي على رصيد العقلانية والحكمة التي عرفت بها الحركة على الساحة الاردنية، تلك العقلانية السياسية التاريخية التي عرفت بها الحركة الإسلامية هي رصيد للمجتمع الأردني كله ولا يجوز أن يسمح لفئة داخل هذا التيار السياسي أن تقوده الى المجهول، لأننا وبقدر ما نحرص على مستقبل الإصلاح، وهو مستقبل الأردن الذي نتطلع إليه، نحرص أيضا على مستقبل الحركة الإسلامية بأن تكون الشريك الحقيقي في صياغة الإصلاح وبناء الدولة الأردنية الديمقراطية، لا أن تخطف الحركة من الداخل وتنزع عنوة من السياق الاجتماعي والسياسي الذي ولدت وازدهرت فيه، جريا وراء إغراءات الفوضى وأنصاف الثروات التي شتتت العقل والدين.
الدولة الاردنية الديمقراطية التي نطمح إليها هي التي تستمد شرعيتها وهيبتها من المواطنين والمجتمع وهي التي تحمي مقر أي حزب أو جمعية في الحكم أو المعارضة كما تحمي دار رئاسة الوزراء، ولكن نقطة النظام الكبرى التي تحتاج من حكماء الحركة الإسلامية التوقف أمامها طويلا تتمثل في سؤال الفصل بين البعدين الديني والعقائدي والسياسي الذي يقود للبحث عن إجابة سؤال لماذا حدثت المواجهة في المفرق، ولماذا لا نأخذ بحقيقة غياب العمق الاجتماعي لهذا الخطاب السياسي في هذه المنطقة أو تلك؛ بكل وضوح لماذا ندخل في مواجهة مع المجتمع.
عبر أكثر من ستة عقود من العمل السياسي التنظيمي شكلت الحركة الإسلامية الأردنية إحدى روافع الدولة الأردنية الأساسية، حينما تحالفت مع النظام السياسي لعقود، وحينما ملأت مقاعد المعارضة لسنوات عديدة. يكفي أننا نوثق علميا اليوم بأن منهجها كان أحد مصادر خطاب الدولة الأردنية الأساسية، فيما كانت كوادرها أحد مصادر التصعيد والتجنيد السياسي لنخب الدولة عبر العقود الماضية. وإذا كانت الظروف السياسية والعلاقة مع مؤسسات الحكم جعلت من الحركة الإسلامية تغلّب مبدأ المغالبة على المشاركة خلال السنوات الماضية، فإن حالة الطوارئ الإقليمية ولعبة التشاوف في المنطقة تحتاج خطوة تنظيم قوية داخل الحركة الإسلامية الأردنية قبل ان تُخطف من الداخل والخارج، وتخطف المجتمع معها إلى المجهول.
لسنوات طويلة كانت أشواق إخوان مصر وسورية استيراد أنموذج إخوان الأردن في العلاقة مع المجتمع والدولة. لا نريد أن تخدعنا اللحظة ونسمح بسماع أصوات من دعاة استيراد نماذج الدم والموت.
بقلم: د.باسم الطويسي
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي العلوم الاجتماعية جريدة الغد