الأخبار حول الفساد والتجاوزات في دائرة الآثار العامة تجلب الكآبة، وآخرها سلسلة الشبهات بالفساد التي لم تتوقف على الملفات المحالة إلى القضاء، بل تذهب نحو سنوات مضت قد تصل إلى عقد كامل. لقد كتبت على مدى سنوات، ومع أقلام عديدة، وأشرنا تكرارا ومرارا بأن إدارة التراث الوطني ليست بخير، وأن ملف التراث والآثار المشبع بالسرقات والتهريب لا يقل أهمية عن تراب الفوسفات الذي بيع بأقل من "تراب الفلوس"، بل يتجاوز ذلك مئات المرات، فالعبث بالتراث والآثار يعني، بالقليل من الوضوح، عبثا في شرف الدولة وهويتها.
لا نريد الخوض في تفاصيل تلك الملفات، لكن ما يحتاج إلى المزيد من الوضوح هو أننا بحاجة إلى صدمة لكي نكتشف حجم الفساد والتخريب والنهب والاستباحة التي تعرضت لها الآثار الأردنية. والأمر الذي يضيف المزيد من الكآبة بالعودة إلى محاولات تحويل المواقع الأثرية إلى "بزنس" رخيص، بتحويل صفة استخدام 14 موقعا من أهم مواقع التراث الثقافي الوطني من صفة آثار، أي تعطيل ولاية قانون الآثار عليها، إلى صفة سياحي، بمعنى البدء الفعلي في خصخصتها وفتحها لأهواء رجال الأعمال والشركات الاحتكارية.
لم يتوقف تهريب الآثار؛ هناك تجار على المستوى الدولي ينشطون في مواسم، ولهم وكلاء محليون، وهناك طوابق من الفساد وتحديدا خلال آخر عشر سنوات في إدارة التراث الثقافي الوطني، وأخص القدرة على تمثل الولاية العامة في هذا الملف الحساس، حان الوقت لكشفها والحديث عنها بجرأة، وصولا إلى التجار الجدد، حيث تنشر آثار حضارة الأنباط اليوم في متاحف الجامعات الأميركية في بال وبنسلفانيا وسنسناتي، وفي مستودعات التجار وصالات العرض، وأخيرا بالمزاد على شبكة الإنترنت.
كما نحتاج إلى عمل جبار كي نسد فجوة الخراب الذي حدث من خلال تشريعات جديدة، وهزة إدارية في كل المؤسسات التي تعنى بالتراث الوطني، وحملة قانونية ودبلوماسية شرسة لاستعادة ما هرب أو سرق؛ فالتراث الوطني هو الجزء الأغلى في شرف الدولة، وهو جوهر الهوية.
نحن أيضا بحاجة إلى تعبئة شاملة للرأي العام الأردني للتنبه؛ فهناك محاولات إسرائيلية متكررة من خلال السياح وغيرهم ليس للسرقة فقط، بل ولتشويه المواقع والرموز التراثية الأردنية. ألم يحاول سياح منهم دس قطع أثرية مزيفة تحمل دلالات غير صحيحة في بعض المواقع الأردنية؟ لقد سمعت شهادات موثوقة وموثقة أيضا عن عشرات المحاولات في مواقع متعددة من الأردن، ولم يحرَّك ساكن! إلى جانب ما تم تهريبه أو تم إخراجه باسم معارض دولية ولم يعد، وقطع أثرية أخرجت من أجل ترميم وفقدت طريق العودة.. وقس على ذلك عشرات القصص والأمثلة.
هذا الواقع يدعو إلى ضرورة التفكير جديا في إنشاء مجلس وطني للآثار والتراث، يعيد مأسسة إدارة التراث الوطني وحمايته وسبل الانتفاع منه واستدامته، بالاستفادة من الخبرات الأردنية وتوسيع قاعدة اتخاذ القرار في هذا المجال الحساس والمهم. أعلم أن وزير السياحة الحالي على درجة كبيرة من الخبرة والجرأة، ما يحمّله مسؤولية وطنية لكي يحمل هذا الملف بقوة.

 

بقلم: د.باسم الطويسي​​​​​


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة   د.باسم الطويسي   العلوم الاجتماعية   جريدة الغد