شهدت اسرائيل هذا الاسبوع الجولة الثانية من سلسلة هجمات الكترونية منظمة شملت تعطيلا جزئيا لمواقع البورصة الرسمية الاسرائيلية وشركة العال للطيران، وهي مواقع رسمية عرفت بأنها تتمتع بنظم حماية عالية، ولنا ان نتصور طبيعة الحماية في نظم أمن المعلومات المالية وحجم الاختراق الذي حدث، حيث تم استعادة موقع البورصة في اليوم التالي بينما بقي موقع العال في حالة غياب لفترة اطول.
    من نفذ هذه الهجمة الناعمة والقاسية ليس جبهة من شباب مصر الإلكترونيين الذين ذاع صيتهم في الايام الاولى للثورة، ولا امتدادات شبابية ايرانية ترد بطريقة أخرى على حرب الاغتيالات، بل المعلومات المتوفرة تفيد انهم شباب او هاكرز سعوديون.
  قبل أقل من شهر تفاجأ الاسرائيليون بهجوم الكتروني من نوع آخر استهدف بطاقات الائتمان لآلالف الاسرائيليين حينما نشرت على الإنترنت أرقام الآلاف من بطاقات الائتمان يملكها إسرائيليون، في خطوة فتح على إثرها تحقيق دولي، وبينما تفاوت تقدير حجم الهجوم فقد قدرته المصادر الاسرائيلية  بتخريب 15 الف بطاقة من هذا الهجوم الذي اتهم به قراصنة الكترونيون سعوديون وروس.
 ورغم أن المفاجأة الحالية لا تقارن بمفاجأة هجوم الحادي عشر من ايلول 2001 على المدن الأميركية التي نفذها شباب معظمهم من السعودية، فإن هذه الوقائع تذهب بعيدا للكشف عن حجم واتجاهات التغيير الثقافي والسياسي التي يشهدها المجتمع السعودي وتحديدا الاجيال الجديدة من الشباب الذين تلقوا تعليما نوعيا ويتهيأون قريبا  للوصول الى الصف الاول في صنع القرار. 
 حرب الفيروسات الإلكترونية تصاحبها دعاية سياسية وحالة قلق متنامية داخل اسرائيل، اذ يرسل الهكرز السعودي الذي يطلق على نفسه (أوكس عمر) رسائل تتوعد بالهجمات القادمة. في المقابل تشير المعلومات الاسرائيلية ان الجيش الإسرائيلي جمع فرق النخبة من قراصنة الحواسيب لمواجهة الحرب الإلكترونية وعمليات القرصنة، بينما يتوعد قراصنة اسرائيليون لشن هجوم على بنوك سعودية وايرانية،  بل إن أعظم التهديدات تتمثل فيما يسمى اليوم (قراصنة العصر أو البرابرة الجدد) من كيانات غير معلومة أو غير تابعة لدول تشكل مصادر المعلومات المفتوحة وتطبيقات تكنولوجيا المعلومات أحد أهم أسلحتها. 
 كان المقاومون عبر التاريخ يسمون بالقراصنة أو البرابرة كما يسمى اليوم رواد (المقاومة الالكترونية)، وهكذا وُصف مؤسس موقع ويكيليكس ( جوليان اسانج)، فهو يملك جيشاً من القراصنة الذين يمكن أن يهاجموا دولا مثل ما حدث مع الولايات المتحدة أو كيانات مثل (ماستر كارد أو فيزا). التهديد لا يتوقف عند استخدام الجماعات المتطرفة لهذه الوسائل بل إن الفضاء المعلوماتي الجديد مفتوح للافراد والجماعات ويقدم اسلحة جديدة ربما تكون قادرة على التأثير في لحظة ما اكثر من الاسلحة المدمرة.
 إن انتشار المعلومات وسهولة الوصول إليها وتنامي المصادر المقترحة وامكانية الوصول الى التكنولوجيا الجديدة وتوظيفها من قبل الافراد والجماعات يعني أننا نغادرعمليا مفهوم القوة التقليدي. قريبا لن تكون القوة مسيطرا عليها مركزيا، بمعنى أن القوة ستكون موزعة على نطاق واسع، وأن الشبكات غير الرسمية سوف تعمل على تقليص احتكار المعلومات بيد البيروقراطية التقليدية، فكلما ازداد انتشار المعلومات أفقياً ازداد عرض قاعدة القوة وازدادت صعوبة التحكم المركزي بها، واصبح بامكان الافراد والجماعات المنظمة وغير المنظمة اختراقها.
 أنموذج الاختراقات لكيانات المعلومات الاسرائيلية يقدم الشكل المبكر للمقاومة الالكترونية الجديدة، وهي مقاومة مرشحة لأن تكون سمة أساسية من سمات النضال الانساني في مقاومة الاستبداد والعنصرية خلال العقود المقبلة

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد