"ويأتيك برفع الأسعار من لم تزود"! فبحسب علم الرياضيات والمعدلات التي أصبحت سنّة تنتهج من قبل المسؤولين لتبرير رفع أسعار المحروقات وغيرها، تولدت عن تلك المعادلة مجموعة أخرى من المعادلات بالمتوالية الهندسية.
هذه المتوالية تشمل كل القطاعات. فشركة الاسمنت أصبحت شركة خاصة للمستثمرين الفرنسيين، وأصبح رفع الأسعار في منتج الاسمنت يرتبط مباشرة برفع أسعار المحروقات إلى شركة الكهرباء وغيرها من القطاعات.
في رفع أسعار الكهرباء، ليس سرا أن توليد الكهرباء يتم باسـتخدام الغاز المصري مما يوفر 85 بالمائة من كلفة المحروقات، فيما لو كان الزيت الثقيل هو المستخدم، كما هي الحال في السابق، وأنّ الأسعار الحالية للكهرباء تزيد كثيراً عن الكلفة وتنتج أرباحاً طائلة، ومن هنا يفهم سر تهافت المستثمرين على امتلاك الشركة من أجل الربح!
وبحكم أن توليد الكهرباء تمت خصخصته، ولم تعد الحكومة تمتلك حصصا فيه، فإن زيادة الأسعار الحالية سوف تذهب إلى المستثمرين، وبالتالي مضاعفة أرباح المالكين الجدد للشركة، حتى وإن ارتفعت كلفة الغاز المصري فإن كلفته ستظل أقل من كلفة زيوت الوقود الثقيلة. بعبارة أخرى ليس هناك مبرر لرفع أسعار الكهرباء، والرفع الحالي يعني تكلفة المواطن مبالغ إضافية على جيبته المنفوضة، أصلاً، لصالح الشركة!
في مقام رفع الأسعار ثمة قاعدة يطلق عليها "فساد التعميم"، والمقصود بها أن هناك حقائق تصدق على حالة كل فرد على حده وذلك دون استثناء، ومع ذلك فإذا تصرف الجميع على شاكلة هذا الفرد، فإن تلك الحقيقة لا تتحقق بالنسبة لهم مجتمعين، رغم أنها صحيحة على كل منهم منفرداً.
لنضرب مثالا على ذلك. انظر إلى قاعة واسعة فيها صفوف عديدة من الجالسين على مقاعد. لاشك أن الجالسين في المقاعد الخلفية لن يرون المنصة بشكل واضح، لكن إذا وقف أي فرد منهم على الكرسي بدلاً من الجلوس عليه، فإن رؤيته للمنصة تتحسن كثيراً، وهذه حقيقة تصدق على كل فرد من الجالسين. الوقوف على الكرسي يعطي صاحبه فرصة أفضل لرؤية المنصة.
ومع ذلك، إذا وقف الجميع، في الصفوف الأمامية، كما في الصفوف الخلفية، فوق الكراسي، فإن النتيجة السابقة لن تتحقق، ولن تتحسن الرؤية لأي منهم. فنحن هنا بصدد مقولة محققة إذا طبقت على أي فرد من الجالسين، ولكنها لا تصلح إذا أخذ بها جميع الأفراد مجتمعين، وهكذا الأمر في حالة ارتفاع الأسعار، فهي تخفي حقيقة المشهد الذي يمكن أن يصل إليه حال المواطن إذا ما استمر مسلسل رفع الأسعار!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن