قد تكون القوانين والتشريعات سببا رئيسا لضبط حركة المجتمع وضمان أمنه وتحقيق التقدم فيه، ولكن ثمة قوانين أخرى تتعلق بالقيم الأخلاقية والاجتماعية والدينية التي هي أيضا تساهم في ديمومة المجتمع وضمان التوازن الاجتماعي فيه.
ونحن على أبواب شهر رمضان المبارك من الأجدر إن تساهم منظومة القيم تلك المستمدة من الدين الإسلامي الحنيف في تحقيق شيء من التضامن الاجتماعي بعيدا عن سلطة القانون ورقابة الحكومة، ولكن يبدو أن تلك المفاهيم التي يبنى عليها المجتمع التكافلي قد غابت وأصبحت قصة يتندر بها في زمن يتحرك فيه الناس وفق مصالحهم وبعيدا عما تمليه ضرورة تفعيل الرقابة الداخلية على الإنسان التي تشكل صمام أمان للتكافل الاجتماعي فيه.
فقد كتب الزميلان حنين منصور وطارق الدعجة تحقيقا صحافيا يتناول وضع أسعار المواد الغذائية في البلد وكيف أن الأسعار قد شهدت ارتفاعات متوالية مع قدوم شهر رمضان المبارك، وان حالة التجاذب وتبادل الاتهامات من قبل التجار والمستهلكين والمسؤولين، هي التي تسود من دون ان يكون هنالك حل جذري لها، وكيف أن المستهلك يشتكي من غياب الرقابة الحكومية على الأسعار وان الكرة في رفع الأسعار أو خفضها باتت في ملعب التجار وحدهم.
وان الأسعار حاليا في بعض السلع قد زادت من 20الى 25% والأرقام التي اعتمد عليها الزميلان تستند إلى دراسة حديثة أعدتها جمعية حماية المستهلك، والحديث عن أن الأسعار قد انخفضت من الأسباب التي أدت إلى رفعها سابقا غير حقيقي بحسب جمعية حماية المستهلك وان العروض التي نسمع عنها في "المولات مضللة وخادعة "، وان ما يقال عن أسعارها المخفضة "غير صحيح ، فتلك المولات رفعت الأسعار قبل أسبوعين وعادت لتقدم عروضا مخفضة فيما بعد".
إن تعميم ثقافة "الضحك على الذقون" واستغفال المستهلك تساهم في المزيد من البؤس الاجتماعي والاقتصادي وتعمم ثقافات سلبية، ينتهجها هؤلاء المستفيدون في وقت نحن بأمس الحاجة فيه لتحقيق التكافل الاجتماعي، في وقت تكاد أن تكون غائبة فيه أجهزة الرقابة الحكومية.
ولكن بات من المؤكد الحديث عن أن التضامن المجتمعي في هذا الشهر الفضيل يجري عكسه فكل من التجار والمستوردين يسعون إلى "تلحيم" المواطن وجعله على الحديدة في ضل غياب الرقابة الحقيقة على عملهم من قبل الجهات الحكومية المختصة، بل الأدهى من ذلك أن سياسة الاحتكار التي يتم انتهاجها من قبل "حيتان السوق" هي التي تحكم حركة السوق، في وقت يجري الحديث عن سياسية السوق المفتوح؟
فربما تكون المقاطعة إحدى الوسائل التي ينتهجها المواطن للتخفيف من حدة تغول التجار عليهم، ولكن المسألة الأهم من ذلك أن يتحرك الضمير الإنساني والوازع الديني عند هؤلاء التجار، فليس البر أن يتهافت التجار على صلاة الجمعة الأسبوعية وصلاة التراويح الموسمية لنيل رضا رب العباد، فنيل الرضا يكون من خلال صدقهم مع المواطن والقبول بالربح المعقول، فكما هو معروف شرعا أن حق العباد مقدم على أي حق آخر.
ولكن يبدو أن القيم تلك أكل الدهر عليها وشرب ولم يعد لها أي اعتبار عند من يمارس هذا الدور الذي يشل من حركة المجتمع ويجعل من فكرة التضامن الاجتماعي فكرة خالية من أي مضمون، وبالتالي يبرر أي عمل لتحقيق الربح ولو على حساب الأفكار والقيم الدينية والاجتماعية!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن