لما كان الزمان حركة مستمرة تدور ولا تنتهي، وبحكم أننا نُطوى فيه ونبقى مجرد ذكريات عابرة نقف قليلا عند بعضها ويكمل الزمن دورته غير عابئ بنا إلى أين نمضي، نحاول أن نتلقط منه ومضات تنير عتبات الروح.
أسجل شيئا من الحب دار في الجريدة بين مدرستين رياضيتين الأولى انحازت إلى مصر والثانية إلى الجزائر، والرب قد ستر أنهما ليسا في ارض المعركة التي دارت رحاها في القاهرة، فلو قدر أنهما كانا هناك لما استطاع أن ينفي السفير الجزائري في القاهرة وجود قتلى.
أبطال القصة الزميل محمد فرحان والثاني سليمان قبيلات من كبار المحررين في الشؤون العربية والدولية في جريدة الغد.
قبل أن تكتمل عناصر القصة وددت أن أشير إلى أن كلا البطلين لا يملك أيًا من مقومات الرياضيين، ويتمتعان بمقومات الجمهور المنضبط! حيث الانضباط في أحيان والانفعال المحبب في أحيان أخرى.
محمد فرحان مكتنز وقصيرة القامة وبنية جسده  أقرب في الوصف إلى البلبل، والبلبل هنا ليس العصفور الذي يشدو بالعذب من الألحان، ولكن البلبل المقصود تلك اللعبة المخروطية الشكل المصنوعة من الخشب والتي كنا نلعبها في الحارات صغارا، والتي استبدلها صغارنا "باليويو" بحكم قوة العولمة الذي لا يطأ الأرض ويبقى معلقا يدور في الخيط الذي بيد الطفل.
في حين بلبلنا الذي لعبنا فيه إذا لم يتمرغ في التراب ويحفرها مؤسسا لحركته الثابتة فيه فرمية الرامي له رديئة، وربما بفلسفة للأمور أكثر جعلنا البلبل الخشبي ملتصقين أكثر بالمكان من ذلك اليويو الذي يبقى معلقا بين وبين!
والشخص الثاني هو سليمان قبيلات لا يختلف كثيرا في بنيته الجسدية عن أي مواطن أصاب جسده الترهل والخمول من كثرة الهموم التي تشعل الرأس شيبا، وربما يمكنه أن يكون في حركته أسرع من محمد فرحان، ولكن ينقصه حذاء يتناسب وحجم قدمه التي إن أريد لها أن تكون قدما ذهبية بامتياز وجب وضعها في "جزمة". والجزمة حذاء انتعلتها في الشتاء سابقا وأصبح الآن ينتعلها عمال الباطون والآخرون الذين يعملون في مهنة ذبح الدجاج، وبما أن الدجاج مشهور في ذاته لا يستدعي الأمر الوقوف عنده مطولا!
أزبد وأرعد محمد فرحان غاضبا من سليمان لوقوفه مع الفريق الجزائري، والقصة لا تتعلق بالرياضة، فكلا الطرفين يمتلك من المقومات الذاتية ما تجعل منه بعيدا كل البعد عن الرياضة، ولكن القصة ابعد من ذلك بكثير، فمحمد يعتقد أن مصر يجب أن تحسم المباراة لصالحها، وهذا ما حصل في المباراة، لاعتقاده الراسخ أن مصر هي رائدة الأمة في التحرر من الاستعمار وهي في ذات الوقت شهدت نصرا في المباراة فهو بالضرورة ينعكس على الأمة بأسرها! مستدلا على الفترة الذهبية في فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حيث كانت الأمة ما يزال  فيها شيء من الخير، وأننا قد خسرنا كل شيء عندما تراجعت أم الدنيا عن دورها، وبخبث ودهاء دعمت مقولته بشيء من قصيدة لمظفر النواب يقول فيها تمجيدا لمصر "أم معاركنا الكبرى والثمن الخصب".
في حين يعتقد سليمان أن الغلبة يجب ان تكون للجزائر حتى لا يجير الفوز لصالح السلطة المصرية، ويصبح أنشودة لها تقدمها لتنال بعضا من الشعبية التي تفقدها يوما بعد يوم.
وبذات الطريقة يعتقد سليمان أن بلد المليون ونصف المليون شهيد تستحق هذا المجد، فهي شقت طريقها إلى الاستقلال عبر نهر من الدماء الزكية وله ما يبرر وجهة نظر.
هكذا هي تعبيرات الحب وهذه المناكفات التي تستند إلى فكرة الأمة والتضحية تنزع إلى قوة البلبل المصنوع من خشب البلاد وليس رخاوة اليويو المصنوع من البلاستيك الطارئ والمائل للميوعة في كل لحظة كحال السياسة العربية!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جهاد المحيسن