كشف قرار مجلس حقوق الانسان بتشكيل لجنة تكون مهمتها التحقق من مدى تأثير المستوطنات الاسرائيلية على حقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، حجم لعبة الدعاية الدولية وتناقضاتها الفاضحة، بل ويكشف مجددا أن حروب المصالح طالما حسمتها الكلمات اكثر من الطلقات.
 هذا ما يثبته سلوك النخب الاسرائيلية في كل مفاصل إدارة الصراع المزمن، فالكيان الذي بنى أكبر سردية دعائية في التاريخ يختلط فيها الوهم بالحقيقة والخيال بالواقع والبكاء بالدماء، قامت بأكملها على ادعاءات حقوق الانسان، يصف وزير خارجيته اليوم أعلى هيئة عالمية تعنى بحقوق الانسان ممثلة لثقافات الانسانية ومجتمعاتها بأنها غير متنورة ويتوعدها بتحريض الدول المتنورة على مقاطعتها، وهوما لا يقل عن وصف نتنياهو بأنه مجلس "منافق وعليه أن يستحي على نفسه".  
 لا شك ان اسرائيل اكثر دولة غرابة في تاريخ البشرية في طبيعة نشأتها، والاكثر غرابة في قوة تأثير الدعاية التي صاغتها عبر اجيال على أساس أطروحات حقوق الانسان، نقول ذلك بعيدا عن مقولات وأوصاف الدعاية العربية الموجهة للداخل التي لم تقرأ العالم ولا الدعاية الصهيونية والاسرائيلية، فيما نشاهد اليوم حجم رهان النخب الاسرائيلية المعاصرة على عالم بلا ذاكرة وبلا حقائق.
 عمليا لا قيمة كبيرة لقرارات مجلس حقوق الإنسان الأربعة اذا ما احتضنتها دعاية سياسية قوية ودبلوماسية قادرة على اعادة اكتشاف الحقيقة في مراكز صنع السياسة الدولية، ولكن للأسف فالدعاية العربية والدبلوماسية المساندة لها تبدو اليوم في أضعف أحوالها، حيث يعود الفضل بتقديم القرار إلى الباكستان نيابة عن مجموعة المؤتمر الإسلامي وشارك في رعايته الأصدقاء القدماء كوبا وفنزويلا، وصوت على القرار 36 دولة من 47 مقابل رفض الولايات المتحدة وحدها،  فيما امتنعت عشر دول عن التصويت منها اسبانيا وايطاليا.
المستوطنات الاسرائيلية التي اعتبرتها محكمة العدل الدولية، أعلى جهة قضائية تابعة للأمم المتحدة، غير شرعية تعد أكبر تحد في وجه اقامة دولة فلسطينية، بل وأكبر مصدر تهديد فعلي يتنامى كل يوم يهدد مصير القضية الفلسطينية ويتوعد بتصفيتها عمليا، حيث سيكتشف الجميع بعد حين أنه لم يتبق شيء يمكن التفاوض عليه، فيما لم تستطع كل المحاولات بالسلام والمفاوضات وبالأمم المتحدة ومجالسها ومحاكمها أن  تثني اسرائيل عن حمى بناء المستوطنات وحمى سعيها في تغيير الحقائق على الارض.
 اليوم، نكتشف في هذه  الأرض العتيقة أنه ليس على مجلس حقوق الانسان العالمي أن يستحي على نفسه، بل على كل نضالات البشرية في هذا المجال أن تذهب الى الجحيم، وأن من الخجل ان نردد كلاما منمقا بالوقار والاحترام حول الميثاق الأممي العتيد لحقوق الانسان وللعهود الدولية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي في كنفها وجدت اسرائيل ضالتها على مدى عقود، وأن نجد شخصا مثل أفيغدور ليبرمان يتقدم الصفوف ليلقن دول العالم التي دفعت شعوبها نضالات شاقة ويصفها بأنها غير متنورة، لمجرد أنها عادت لبعض إنسانيتها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد