صحيح أن النموذج الجديد في الإعلام يعد الناس بالمزيد من التفاعل، ويحولهم في هذا الوقت من متلقين سلبيين للرسائل الإعلامية، إلى حالة أكثر إيجابية، بل يحول العملية الاتصالية من نموذجها العمودي الذي تتدفق عبره المعلومات والأخبار في اتجاه واحد، إلى نموذج أفقي يساهم فيه المرسل والمتلقي، ويتبادلان الأدوار.
في المقابل، يكشف النموذج الأخير فيما يقدمه من تحولات ثورية، كما يبدو في الاستخدام الاجتماعي الواسع للإعلام في زمن الثورات والتحولات العربية، أن الجاذبية الجديدة فيها قابلية للسيطرة من قبل الجماعات الصغيرة المنظمة دون أن تتكبد ثمن العصي في الإكراه السياسي والاجتماعي، ولا ثمن الجزر في الإغراء والغواية السياسيين كما كان يحدث عبر التاريخ.
هكذا، تبدو الخطوط الخفية للتحكم بالإعلام الجديد غير مرتبطة بجهة أو بمؤسسات؛ إنها انعكاس للإرادة العامة، وهذا مصدر الجاذبية الجديدة. ولكنها جاذبية قد تكون خادعة في لحظة ما، وقد توفر فرصة لإعادة إنتاج التحكم والسيطرة، وهذه المرة بصورة أكثر تعقيدا؛ لماذا؟ لأن عشرات الملايين من منتجي الرسائل الإعلامية عبر شبكة الإنترنت يعتقدون أنهم بجهودهم الفردية يساهمون في صياغة الرأي العام، ويصعب عليهم اكتشاف الأطراف الأخرى المنظمة التي تبرز على الواجهة كمستخدمين أفراد، والتي قد يقعون في حبائل جاذبيتها، فيما هم يزرعون في حقل الشيطان ولن يحصدوا إلا الغبار؛ بمعنى أن الإعلام الجديد والإعلام الاجتماعي على شبكات التواصل الاجتماعي يوفران المزيد من الفرص غير المعلنة للتوجيه والانقياد. وربما نكتشف بعد وقت قصير كيف يدير خمسة أو عشر أشخاص عشرات الآلاف من المستخدمين ويوجهون مضمون رسائلهم وتعليقاتهم دون أن يدروا.
يقوم مفهوم القوة والتأثير في نموذج الإعلام الجماهيري التقليدي على ترتيب: 1. الإكراه: العصي، 
2. الدفع: الجزر، 3. الجذب: الرغبة والإدارة. وقد استخدمت هذه العناصر بأساليب واستعمالات متعددة، فلم يكن الإكراه بالعصي وحدها، كما لم يكن الدفع بالجزر والرشى وحدهما.
في بيئة الإعلام الجديد ونموذج المصادر الإعلامية المفتوحة تقلب التراتبية تماماً، بحيث يصبح الجذب على قاعدة الهرم المقلوب، ويتراجع الإكراه نحو رأس الهرم، وربما فيما يخص النخب.
تتنوع خصائص الجاذبية الجديدة وتختلف أوزانها المعيارية من مجتمع إلى آخر، ومن  حدث إلى آخر، إلا أن جوهر الجاذبية التي تقود الملايين من البشر طوعاً إلى التفاعل والمشاركة في تشكيل القوة الجديدة تكمن فيما يلي:
1. جاذبية المرونة التي تعني سهولة الوصول والنفاذ وانخفاض الكلفة والتزامن والتطوع.
2. جاذبية الحدود الشفافية المادية وغير المادية بين الأوطان والموضوعات والأفكار والأحداث.
3. جاذبية الفرص الهائلة التي تقود الإغراء عبر الإغراق المعلوماتي والفائض المعرفي والتنوع والتعدد.
4. جاذبية تمدد الهوية بما توفره من إغراء، وبناء السمعة المعنوية والهوية العالمية، وفي نفس الوقت القدرة على إخفاء الهوية.
5. جاذبية الاندماج والاستقطاب بقدر ما توفر البيئة الجديدة أدوات للصهر والاندماج في خطابات عالمية، والتوافق على جدول أعمال للفهم المشترك. ثمة أدوات أخرى ذات جاذبية خاصة لاستقطاب جماعات وتيارات وثقافات توفر لها هذه البيئة وسائلها الخاصة لإبراز هويتها، في ما يسمى "الجماعات الصارخة".
إن سياسة البحث عن الهوية تلتقي مع جاذبية الاستقطاب لتشكل جانباً من ملامح الثقافة السياسية العابرة للحدود الشفافة، ومن ذلك على سبيل المثال ما يجري وسط الشباب الماهرين في استخدام تكنولوجيا المعلومات في المدن، فبدءا من الفلسطينيين، مرورا باليونانيين والأرمن، وصولا إلى شعب الهمونغ في الصين، يتعلم مستخدمو الإنترنت ومصادر المعلومات المفتوحة كيف يبنون ثقافة سياسية جديدة ذات جاذبية فائقة تعظم المشترك بينهم. فهذه الأشكال من الاتصال السياسي ساهمت إلى حد كبير في الحملات الانتخابية الاجتماعية. وحتى الأحزاب الإسلامية المتشددة اضطرت إلى تلطيف خطابها حينما استخدمت هذه الوسائل في جذب الناخبين. وهنا نكتشف كيف تقود هذه الجاذبية الناس بدون جزر ولا عصي.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد