أصبحت حوادث السير ثقبا أسود في ضمائر الأردنيين كافة، تتحمل المسؤولية فيها الدولة والمواطنون معا، فمأساة الطالبات الجامعيات على طريق الأغوار العقبة بالأمس تشكل كارثة وطنية يجب ان تهز ضمير الدولة وجهازها العصبي لكي  تنتفض على نفسها في البحث عن معالجات جديدة وجادة لكوارث السير؛ وهذه  الحرب المعلنة التي يشهدها الأردن على الطرق الخارجية وفي الشوارع والمدن.
كارثة فقدان سبع طالبات جامعيات وشابين تضاف إلى عشرات الحوادث التي سجلت أكثر من 30 ضحية خلال الشهر الأخير في ظاهرة تكشف ضعف المعالجات التي اتخذت في سبيل الحد من هذه الكوارث وفشلها؛ فلقد سجلت حوادث السير في الأردن خلال آخر عشر سنوات أكثر من 7500 ضحية، بمعنى أن ما قدمناه من الضحايا على الطرقات والشوارع يفوق ما خسرته دول التحالف في حروبها الطاحنة في الشرق الاوسط خلال عقدين. 
  منذ سنوات يتقدم الأردن على مستوى العالم في مؤشرات الحوادث المرورية وفق أعداد الضحايا بالمقارنة مع عدد السكان، وفي أعداد الحوادث وفي الخسائر المادية أيضا، بينما اكتفت إدارة التعامل مع هذه الظاهرة وما يرتبط بها من مصادر تهديد بالمنطق الكارثي؛ أي منطق المصيبة التي تبدأ كبيرة تثير انتباه الكبير والصغير وسخطهم، ومشاعر الجميع وانزعاجهم، لكن سرعان ما تتراجع أولوية التعامل مع هذه الظاهرة وأهميتها حتى نعود ونفجع بمصيبة جديدة، وهكذا من دون جدوى؛ هذا المنطق نافع وإيجابي لمن يفجعون بالمصائب على المستوى الشخصي والعائلي، أولئك الذين تولد المصيبة لديهم كبيرة وتتراجع أهميتها بفعل الزمن ونعمة النسيان لكي يتمكنوا من الاستمرار في الحياة، لكن هذا المنطق لا يصلح أبدا لإدارة مصادر التهديد والأمن الاجتماعي لمجتمع بأكمله، فالأوطان تدار بالمصالح لا بالعواطف. 
  لا يوجد أدنى شك في  نوايا الجميع في هذا الشأن الذي لا يفرق ولا يستثني أحدا. وعلى هذه الخلفية لا يمكن التوصل لحلول ناجعة في هذا الملف الصعب من دون ردع وإجراءات وقائية ومكاشفة وشفافية عالية، فلا يوجد بعد كل هذه الخسائر ما يبرر غياب الشفافية والوضوح حول أسباب ما أوصلتنا اليه هذه الحرب؛ فمنذ سنوات حفظنا الدرس عن ظهر قلب ونكرره دوما بأن أسباب حوادث المرور تختصر بالإنسان وفي وسيلة النقل وعلى الطريق، بينما تزداد الحوادث وتتراكم المآسي، ولا نتجرأ بالحديث عن الطرق ومشاكلها ولم نرصد حتى البؤر التي تتكرر فيها الحوادث والطرق الخطرة، وكذا الأمر بالنسبة لتطبيق القانون والثغرات التنفيذية والإجرائية والاجتماعية التي تحول دون ان نلمس تراجعا في معدلات الحوادث.
  في عام 2008 شهد الاردن موجة حوادث سير فاجعة، وجه الملك على إثرها رسالة واضحة للحكومة لوضع إجراءات رادعة للحد من هذه الحوادث، وبالفعل اتخذت بعض الاجراءات، ولكنها للأسف اتخذت مسار المصيبة؛ بدأت كبيرة ثم تراجعت مع الزمن.
دون وضع حلول عملية لا نقدم على فعل شيء يذكر للضحايا القادمين، سوى التعاطف مع أسر الضحايا وتبادل اللوم واختراع المبررات، ما يمكن التحكم به من خلال الدولة يتمثل في تطبيق القوانين وفي الطرق، على سبيل المثال هل نستطيع تحديد مائة بؤرة سوداء تتكرر عليها الحوادث في مختلف انحاء المملكة والعمل على معالجتها، بل وضع خطة طوارئ رسمية وشعبية لاخفائها؟ هذا في أضعف الايمان سيكون أجدى بكثير من مئات المحاضرات وحملات التوعية على أهميتها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد