تلفت أخبار الربيع العربي منذ أكثر من عام انتباه العالم نحو المحتوى الإعلامي العربي، ونحو المحتوى المعرفي المتاح حول العرب، مع استمرار زحف الإنتاج الإعلامي الجديد بمصادره الأساسية الثلاثة؛ تطبيقات شبكة الإنترنت، والبث المباشر عبر الفضاء، والهاتف المحمول. إذ يزداد كل يوم الانكشاف الثقافي للمجتمعات العربية، وحجم الفوات في التعامل مع منتجات هذه التكنولوجيا المدمجة وما تخلفه من فوضى وتراجع فرص الشراكة مع العالم، مقابل جشع استهلاكي رخيص لمنتجات هذه الظاهرة.
أنجز العرب بعض النجاحات المحدودة في التنافس على تقديم منتجات الإعلام الجديد بالمقارنة مع الفوائض المالية الهائلة التي تحققت خلال العقد الماضي. المفارقة الأولى أن أهم الإنجازات في تطوير المحتوى الإعلامي ذي الجودة العالية على شبكة الإنترنت جاء من دول محدودة الموارد مثل الأردن، والذي سجلته تقارير دولية مهمة؛ مثل تقرير نادي دبي للصحافة، وتقرير شركة "تيكوم" للاستثمارات، ودراسة شركة "ووتر هاوس"، وغيرها من تقارير ودراسات تناولت تجارب أردنية مثل "مكتوب دوت كوم". أما المفارقة الثانية، فهي أن البلد الذي أنجز بعض أفضل الممارسات العربية في استخدام الإعلام الجديد يسجل أيضاً نماذج أخرى من أسوأ الممارسات غير المسؤولة.
ظاهرة التعامل غير الرشيد مع تطبيقات الإعلام الجديد تنسحب على كافة المجتمعات العربية، ومركزها غياب الإطار المؤسسي التنظيمي المستقل. ويبدو، وفق القراءة الأولية، أن الأزمة التاريخية حول الحرية هي أحد أهم مصادر هذه الممارسات بشكل أو بآخر، الأمر الذي حوّل البث الفضائي إلى ساحة للابتذال السياسي والاجتماعي وبيع الشعوذة للناس والتجارة بالخرافات. وعلى الرغم من الإغراق الإعلامي الذي جعل الشرق الأوسط العربي، حسب تصنيفات تدفق البث الفضائي العالمي، واحدة من أكثر مناطق العالم ازدحاماً بالفضائيات والبث المباشر، إلا أن ذلك لم يفض إلى إنجازات ملموسة في الإصلاح الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي تنتظره هذه المجتمعات منذ قرون.
وفي الوقت الذي رصدت فيه الولايات المتحدة 500 مليون دولار العام 2002، لتأسيس خطاب إعلامي ناطق بالعربية، ورصدت إسرائيل 5 ملايين دولار لتطوير خطاب إعلامي جديد غير مباشر موجه إلى المنطقة العربية، ثم توالت أكثر من 30 دولة على إنشاء محطات بث بالعربية آخرها المحطة التركية؛ فإننا لم نشهد مبادرة عربية جادة لاستثمار هذا الفضاء في وقت تنهار فيه صورة العربي وتشوه فيه صورة الإسلام.
ثمة مفارقة ثقافية أخرى محيرة ترتبط بتطوير المحتوى الإعلامي على شبكة الإنترنت، مفادها أنه في الوقت الذي يشير فيه تقرير المعرفة العربي إلى نمو المحتوى العربي على الشبكة بشكل جعل العربية تنافس في معدل النمو اللغات المركزية، وكذلك فيما يتوقع أن يشهد النمو الإعلاني في المحتوى الإعلامي العربي على الشبكة في العام 2012 بنسبة 45 % مقارنة بالوضع الحالي، إلا أن جودة المحتوى من نواحي المعلومات والتنوع والمنتجين، ما تزال واحدة من أكثر الأمثلة رداءة في العالم.
الملاحظة الأخرى أن المحتوى الإعلامي المركزي باللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية وغيرها، قد طورته شركات كبرى ومؤسسات إعلامية نافذة في مجالات الإعلام التقليدي، حينما أمسكت زمام المبادرة، وفتحت نوافذها للمحتوى الذي ينتجه المستخدمون. بينما في حالة المجتمعات العربية واجهنا زحف الشبكة وتنوع وظائفها بفراغ هائل من المبادرين الكبار؛ أي لم يحدث تحول واستيعاب في وظائف المؤسسات الإعلامية كما حدث في العالم، من قبيل خدمة "أي–ريبورتر" (I reporter) التي قدمتها شبكة "سي. أن. أن" التلفزيونية العام 2007، من خلال إتاحة منصة شبكية تتيح من خلالها توزيع برمجيات مجاناً على المستخدمين لإنتاج وبث تقاريرهم ضمن قواعد متقدمة من المهنية والمعايير التي جعلت مثل هذه الشبكة العملاقة تحقق نجاحات تاريخية في جمع المعلومات والوصول إلى الأخبار، بينما تقود مواقع المؤسسات الصحفية "صحافة المواطن"، وتدير المناقشات الكبرى، فلم تترك هذه المهمة للهواة؛ لا يحدث ذلك في الولايات المتحدة وبريطانيا والديمقراطيات الغريبة فقط، بل وفي كوريا وماليزيا والمكسيك وبلغاريا وغيرها، بينما لا نجد أمثلة عربية.
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد