بخطوات هادئة وبطيئة، يستمر الأكاديميون في الجامعات الأردنية بتصعيد خطابهم ومطلبهم بإنشاء نقابة مهنية، تضم أعضاء الهيئات التدريسية والباحثين في المؤسسات العلمية الأردنية. ووصل الأمر إلى دعوات منتظرة لتنظيم اعتصامات ووقفات احتجاجية، بينما لم نرصد خلال السنوات الماضية والأشهر الأخيرة أي رد فعل رسمي على هذا المطلب المهني المشروع، على الرغم من أن نقابة من هذا النوع أمامها فرص عديدة للمساهمة في نهضة قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، وستكون ذراعا وطنية يستند إليها؛ ولن تكون مصدرا للصداع، بل أحد المنافذ الحقيقية للتخفيف من حدة الأزمة المزمنة التي تشهدها الجامعات.
نتحدث عن هجرة متنامية لأعضاء الهيئات التدريسية والباحثين، وصلت إلى مستوى أكثر من 17 % من الجامعات الحكومية الرسمية وحدها. ونتحدث عن عملية إحلال لقادمين جدد بقدرات أكاديمية ومهنية متواضعة، تجد الجامعات الرسمية نفسها مضطرة إلى استيعابهم في أجواء الاسترضاء الاجتماعي والسياسي، وعدم وجود البدائل العملية، فيما تنعكس الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها الجامعات بشكل يومي على مصائر المئات من الأكاديميين، ما يطرح سؤال المصير أمام هذه الفئة الاجتماعية النوعية بقوة وبقلق.
تفرز المجتمعات القوى الاجتماعية تعبيراً عن الحيوية والقدرة على التعددية، ورفض احتكار القوة في المجال العام، والتعبير بأدوات مدنية سلمية عن التنوع والمطالب. وفيما تنمو القوى الاجتماعية الحية في بيئة صحية لتشكل إضافة نوعية للحياة العامة، فإن ما نحتاجه بالفعل يتمثل في تطوير الوعي الاجتماعي لدى أعضاء المجتمع الأكاديمي الأردني، ليتحولوا بالفعل إلى قوة حيوية في بناء المجتمع والدولة بروح إيجابية حاضرة.
إلى هذا الوقت، لا توجد الشروط الإيجابية لتحويل أساتذة الجامعات إلى قوة اجتماعية حاضرة، بل ما هو متوفر لا يمت بصلة إلى احتمالات صعود قوة اجتماعية معافاة إذا ما استمر التهميش وغياب الأطر التنظيمية.
يعاني المجتمع الأكاديمي من شعور عميق بعدم الإنصاف، وأحيانا بالغربة. وأعضاؤه عقول تفكر تحت وطأة الأزمة وشروطها. وهذه الحالة يعكسها تراجع المستوى المعيشي، ووصول هذه الفئة الأكثر حساسية إلى مستوى أقرب إلى قوائم الفقراء الجدد. فمنذ عقد ونصف العقد، لم تتغير رواتب أعضاء هيئات التدريس في معظم الجامعات، سوى زيادات طفيفة لا تذكر، على الرغم من أن الدنيا حولهم تغيرت مرات ومرات. هذا إلى جانب التعثر المستمر في إصلاح أحوال الجامعات، والشعور بعدم الإنصاف في تحقيق الذات داخل أسوار جامعاتهم، نتيجة تدني مستوى الحاكمية والرشد داخل هذه المؤسسات. هذا الواقع أدى إلى نمو اتجاهات من العزلة عند بعض الأكاديميين، وعدم ميلهم إلى التفاعل الإيجابي مع المجتمعات المحلية، وغياب روح العمل التطوعي. وهي ظاهرة سادت في جامعات عريقة في العالم، وعادة ما وصفت بظاهرة الأبراج الأكاديمية العاجية. والتخلص منها مرتبط  بمدى ما تحققه الجامعة من مأسسة في تحمل مسؤوليتها الأخلاقية والوطنية حيال وطنها؛ وفرض معايير الكفاءة والجدارة في مختلف مستويات سلوكها الإداري؛ فالكثير من الأكاديميين الأردنيين من ذوي الكفاءة مالوا نحو العزلة لتعمق الشعور بالهوة بين ما يجري في جامعاتهم من محسوبيات وترضيات وغياب الكثير من معايير الجدارة، وبين واقعهم؛ ما زاد في عزلتهم ورفضهم السلبي.
وجود نقابة الأكاديميين ليست مطلبا ترفيا، ولن تكون مجرد ناد سياسي للصراعات؛ وجود هذه النقابة حاجة وضرورة مهنيتان، وأداة للمشاركة في إنقاذ هذا القطاع الذي يستند إليه مستقبل التنمية والتغيير والتحديث.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد