ما يثر التساؤل على أكثر من صعيد؛ مغزى وفلسفة إصدار قوانين جديدة تخص التعليم العالي، بخاصة أننا قد عهدنا في فترة ليست ببعيدة صدور قانون جديد يخص التعليم العالي وتم إقراره من قبل مجلس النواب السابق، وعلى ضوئه تم تشكيل مجالس أمناء للجامعات الحكومية، وسحب بساط صلاحية تعيين رؤساء الجامعات من يد وزارة التعليم العالي، وربما، في أحيان أخرى، كرس سلطة رأس المال في أيدي مجموعة من الأشخاص غير المؤهلين، وأعني بذلك بعض الجامعات الخاصة التي لا تهتم بالعملية التعليمية الحقيقية بقدر ما تؤمن بتوفير الربح.
ومع التحفظات التي أبدتها وزارة التعليم العالي على ذلك القانون، عادت وطرحت مجددا قانونا يعيد إليها السلطة في تعيين رؤساء الجامعات، وكأن مشكلة التعليم العالي في الأردن تكمن في أزمة الصلاحيات في تعيين رؤساء الجامعات. وعودة على التصريحات التي كان أطلقها سابقا وزير التعليم العالي والتي وصف فيها حال التعليم العالي في الأردن بأنّه (في غرفة الإنعاش)، فهل سيُخرج القانون الجديد التعليم العالي من غرفة الإنعاش أم سينقله إلى القبر بعد أن طال الأمد بتغيير نحو الأفضل لمستقبل التعليم العالي، وبقي الشد والجذب في تنازع السلطات في أحقية من يعين رؤساء الجامعات هو الفيصل في عملية التطوير؟
ليس من أدنى شك أن استقلالية الجامعات إداريا وأكاديميا، تعطي للتعليم العالي مضمونه الحقيقي وتساهم بشكل كبير في حل المشاكل التي تواجه التعليم. ومهمة الجهات الرسمية يجب أن تكون في الحفاظ على استقلال الجامعات، فليس المطلوب من الحكومة الممثلّة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي الرقابة والتدخّل في الجامعات، بل حماية استقلالها من تدخّل رؤوس الأموال بانتخاب مجلس أمناء يرقى بحجم المسؤولية، ويكون مستقلا عن أصحاب رأس المال وقراراتهم لتوفير الربح!
ومن سوء الطالع في الأردن أن السياسات والاستراتيجيات لا تقوم على أسس مؤسسية، تضمن الاستمرار والتقدم، بل هي تخضع للتبدل والتغير مع الأشخاص الذين يتم اختيارهم لشغل هذا المنصب أو ذاك. فإذا أردنا أن نشخص واقع التعليم العالي، وجب علينا أن نكون أمناء تجاه وطننا، وأن نقول إنّ من الأسباب الرئيسية في تردي وضع التعليم العالي ووصولنا إلى تلك الحالة هو تدخّل في شؤون الجامعات، من تعيين وترقية لرؤساء الجامعات والعمداء، تلك التدخلات التي أدّت إلى تغيّر نوعية رؤساء الجامعات التي تخضع للمعايير الشخصية وليس الكفاءة، وتؤثر بالضرورة على مسيرة الجامعة كلها.
فحتى نضمن استقرار التعليم وثباته في جامعاتنا، لا بد من وجود أنظمة وتعليمات ثابتة. والمفترض أن تلك الأنظمة والتعليمات قد تم إقرارها والالتزام بها منذ عام 1962؛ وبحكم أن بعض الأنظمة تتغيّر مع الظروف مثل تغيّر تعليمات البحث العلمي وغيرها من التعليمات، فذلك لا يعني على الإطلاق أن تصبح الجامعات مسرحا للتغيير وفقا للأمزجة والسياسات التي لا تغير وفق رؤية معرفية نقدية، بل يتم التغيير وفق رؤى شخصية، وربما في أحيان كثيرة تكون تصفية الحسابات هي العامل الحاسم فيها. وبالتالي تكون الضحية العملية التعليمية بأسرها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن