يوم السبت القادم، يؤدي اليمين أمام المحكمة الدستورية الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي؛ أول رئيس ديمقراطي يأتي بالانتخابات الحرة والنزيهة في عهود الدولة المصرية القديمة والحديثة والمعاصرة، أي منذ سبعة آلاف عام، وفي أكبر ديمقراطية عربية وفي الشرق الأوسط أيضا، وأول رئيس تصعده حركة الإخوان المسلمين بعد ثمانين عاماً من النضال والاضطهاد والتاريخ السري والعلني، وبعد أن أصبحت تنتشر اليوم في 67 دولة في العالم.
ماذا سيفعل الرئيس مرسي في اليوم الأول كي يمنح المصريين شعوراً عميقاً بأنه رئيس لكل المصريين، وليس مجرد رئيس تيار ديني وصل إلى السلطة في لحظة غامضة؟ وكيف سيترك الانطباع الأول الذي يحدد هوية الأداء السياسي والاجتماعي الذي يضع الشعار التاريخي بمضمونه الحضاري "الإسلام هو الحل" على المحك في لحظة تاريخية فيها كثافة عالية من الحساسية؟
منذ هذه اللحظة، سينتقل مرسي من ذهنية المنظر الديني الأيديولوجي الذي يمجد دولة الخلافة إلى عقلية رئيس مصر الديمقراطية، وسيذهب إلى المحكمة الدستورية يؤدي اليمين أمامها، ولن يناقش مسألة رفض حكم المحكمة الدستورية، ولن يدعو مجلس الشعب المنحل إلى الانعقاد، لأن رئيس المصريين وقائد أكبر ديمقراطية في الإقليم يحترم حكم القضاء.
في ليلة اليوم الأول سيهذب مرسي لحيته، ويخفف الأصباغ عن شعر رأسه، ويذهب إلى النوم باكراً. بالطبع، سيكون العمل الأول الذي يقوم به الرئيس في اليوم الأول هو أداء صلاة الفجر، وهنا سيكون الحرس الجمهوري قد تسلم تأمين الرئيس، وسيطلب من موكبه أن لا يتوجه إلى قصر القبة في مصر الجديدة، بل إلى مقر المجلس العسكري ليقدم تحية وشكر المصريين الذين انتخبوه للمؤسسة العسكرية الوطنية التي انحازت إلى الشعب المصري في لحظة صعبة ودقيقة وفاصلة، وحمت الثورة، ومهدت الطريق الوعرة إلى الديمقراطية. الرئيس الجديد في يقينه أن هذه المؤسسة هي أول من يستحق التحية من الشعب المصري.
لن يتجه موكب الرئيس إلى قصر القبة أيضا، بل سيواصل طريقه نحو العباسية حيث الكاتدرائية الكبرى للأقباط الأرثوذكس. وسيجد في انتظاره بطاركة الكنيسة القبطية وأساقفة الطوائف المسيحية الأخرى الأرمن والكاثوليك واللاتين والإنجيليين وغيرهم، وسيقدم رسالة رمزية لطمأنة عنصر أساسي من عناصر الوطن المصري، أن لا إكراه دينيا قادما، وأنهم شركاء أصلاء في بناء الأمة المصرية، وأن الصورة التي رسمتها وسائل الإعلام لدولة المرشد لا وجود لها.
هنا سيكون الوقت قد حان لدخول  قصر القبة، وسيجد العاملين في رئاسة الجمهورية مصطفين للسلام على الرئيس الجديد، وسيفاجئ الجميع بالحديث لسيدة غير محجبة تعمل في المكاتب الأمامية في الرئاسة بأنه ينتظر منها المزيد من العطاء، في إشارة إلى أنها ستبقى في مكانها، وأن لا إكراه اجتماعيا أو ثقافيا باسم الدين.
سحابة عصر هذا اليوم، سيمر الرئيس الجديد بصحبة مجموعة صغيرة من رجال الأعمال سريعاً على قلعة محمد علي في طريقه إلى أهرامات الجيزة. وفي الطريق، سيتوقف الموكب الرئاسي أمام سلم مبنى نقابة الصحفيين الذي طالما شهد بواكير الثورة وأوائل أشكال الرفض للاستبداد. عند سفح هضبة الهرم المصري سيدلي الرئيس بأول تصريحات إعلامية يؤكد فيها العمق الحضاري لمصر، وهويتها الحضارية الممتدة سبعة آلاف سنة من التعدد والتنوع التي خلصت إلى الهوية العربية الإسلامية.
الأعمال الرمزية هي مفاتيح السياسة في التحولات الكبرى، ومن لا يجيد لعبة الرموز وخلق الانطباعات الإيجابية ينتظره من يضع عنه الانطباعات ويلبسه رموزا ربما تدفع ثمنها أجيال.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد