ترددت مؤخرا أنباء عن توقيع إسرائيل اتفاقا مع الفاتيكان، يمنح إسرائيل اعترافا لأول مرة بولايتها على الأماكن المقدسة المسيحية في القدس. فيما وصفت مصادر دينية فلسطينية، ومصادر أردنية، وجود مساع إسرائيلية لتوقيع هذا الاتفاق؛ بمعنى أنه لم يوقع بعد. وهذا الأمر يعني في الحالتين ضرب معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية في العمق، وتحديدا أنها ضمنت كما هو معروف استمرار الولاية الأردنية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس.
في المقابل، قررت اليونسكو مطلع هذا الأسبوع إدراج مدينة بيت لحم على قائمة التراث العالمي، وأصبحت بذلك أول موقع فلسطيني على هذه القائمة. تم ذلك في الاجتماع الذي عقده مركز التراث العالمي في مدينة بطرسبرغ. وفي معلومات من داخل هذا الاجتماع، مارست المجموعة العربية دبلوماسية نادرة في انتزاع هذا القرار، على الرغم من أن فلسطين لم تكمل بعد المدة الزمنية المطلوبة في عضوية اليونسكو، وهو أحد شروط إدراج المواقع التراثية على هذه القائمة. ولاقى الطلب العربي دعما قويا من أطراف دولية، أهمها الهند وفرنسا، ما يؤكد أن السياسة هي ما يحسم الموقف في دبلوماسية اليونسكو، الأمر الذي يذكرنا بأن اللجنة الأردنية لليونسكو الممثلة في مركز التراث العالمي بحاجة إلى إعادة نظر ومراجعة لجهودها، وهو ما يثبته موقفها الضعيف في العام الماضي حينما تمت مناقشة موضوع حماية آثار البتراء.
منذ اليوم يمكن أن نتحدث عن الحق في تحويل فلسطين إلى محمية ثقافية، وهو السلاح الذي طالما أهمل. كما أن تغيير وضع الفلسطينيين في منظمة اليونسكو من صفة مراقب، منذ العام 1974، إلى وضع عضو كامل العام الماضي، في معركة دبلوماسية مشرفة، سيتيح لهم تقديم طلبات للاعتراف بمواقع أخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن التراث العالمي للإنسانية. فبعد بيت لحم، تتجه النية صوب الحرم الإبراهيمي في الخليل ليكون ضمن مواقع التراث العالمي التي تتمتع بحماية خاصة، الأمر الذي يتطلب جهودا أردنية فلسطينية مشتركة بشأن المواقع الدينية الإسلامية والمسيحية في القدس، والتي تحتاج إلى معركة دبلوماسية حقيقية، بأدوات السياسة والثقافة، لتحويل القدس الشرقية إلى محمية ثقافية.
اشترت إسرائيل العالم وباعته على مدى ستة عقود بالسياسة والدعاية ذات المضمون الثقافي. وتثبت الأحداث أن هذه البضاعة ستبقى قابلة للتسويق حتى في لحظات التطرف الحالكة التي تفرضها النخبة الإسرائيلية الحاكمة؛ فقانون السلوك السياسي الإسرائيلي في البيئتين الدولية والإقليمية قام على مبدأ الاصطياد العدواني في لحظات فاصلة، مقابل التسويق السياسي-الثقافي الناعم. ولعل بناء استراتيجية دبلوماسية أردنية فلسطينية في سياق التسويق السياسي للقضية الثقافية في القدس في هذا الوقت، سيكون له مرود أكثر من الإنشاء السياسي اليومي. فكلما ازداد بروز مخالب الماكينة العدوانية في الحرب والتدمير والتهجير والإبادة والتطرف، كانت إسرائيل تدفع بقفزة غير متوقعة في استراتيجياتها الدعائية القائمة على مقولات وأدوات ثقافية، وتعيد إنتاج صورتها من جديد.
اليوم، تملك إسرائيل جرأة المغامرة التاريخية بأن تواصل عدوانيتها القاسية مع استمرار تصعيد نخبة متغطرسة ومتطرفة من طراز أفيغدور ليبرمان، وهو ما يجعلنا بانتظار معركة دعائية ساخنة، مضمونها الفعلي الصراع على الثقافة.
بقلم: د.باسم الطويسي
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي العلوم الاجتماعية جريدة الغد