غلاء الأسعار "الوحش الجديد" كشر عن أنيابه لافتراس الفقراء، والطبقة الوسطى أيضاً، ففي الماضي كان الفقراء هم الطبقة الأكثر تذمراً وتمرداً من غلاء الأسعار، بما أنهم لم يمتلكوا ما يمكن من خلاله مسايرة تعقيدات وصعوبات الحياة، أما اليوم وفي ظل هذا الغلاء الفاحش، والارتفاع اليومي للأسعار، وتحول جميع السلع بما فيها السلع الترفيهية لسلع مدفوعة الثمن، وخصخصة أغلب الخدمات، والتنافس بين الشركات العملاقة لاحتكار السلع بأنواعها كافة، وتحولها لصراع اجتماعي – اقتصادي ضحيتها المواطن الذي أصبح يعيش مرحلة الغلاء والاحتكار؛ فالجميع سواسية أمام هذا المفترس الجديد. مشكلة الارتفاع في أسعار السلع الغذائية الرئيسية لا يجب النظر إليها بمعزل عن المنظور العالمي والإقليمي لتلك الموجة من الغلاء التي تواجه جميع الدول، ورغم عالمية ارتفاع الأسعار، إلا أن الحكومة مطالبة برصد هذه الظاهرة واتخاذ الآليات التي تهدف في مجملها إلى ضبط الأسعار ومحاربة الغلاء وموجات ارتفاع الأسعار العالمية، وضبط تأثيراتها محليا لتحقيق الأمن الغذائي والاجتماعي الذي يشكل الركن الأساسي في تحقيق السيادة الوطنية.
فحسب الدراسة الميدانية التي قامت بها "الجمعية الوطنية لحماية المستهلك" وشملت 96 سلعة غذائية، فإن اسعار32 سلعة سجلت ارتفاعا بنسبة 336 بالمائة مقابل انخفاض أسعار8 سلع بنسبة14 بالمائة وثبات أسعار56 سلعة. وبينت الدراسة التي رصدت تغيرات الأسعار خلال عام ارتفاع أسعار الخضار بشكل ملحوظ، حيث بلغت أعلى نسبة ارتفاع لمادة البندورة 329 بالمائة والثوم 191 بالمائة والخيار90 بالمائة وأدنى نسبة ارتفاع للكوسا 8 بالمائة.
كما بينت أن أسعار بعض أصناف الفاكهة ارتفعت ومنها العنب بنسبة 20 بالمائة، فيما انخفض سعر التفاح المستورد والتفاح الصيني25 بالمائة وثبات الموز المستورد، كما ثبت سعر الزيوت النباتية، وانخفض سعر السكر بنسبة7 بالمائة، وأظهرت الدراسة ارتفاعا لأسعار الدجاج الطازج بنسبة5ر5 بالمائة وثبات الدجاج المجمد 4 بالمئة وانخفاض سعر دجاج /النتافات 10 بالمائة مع ثبات أسعار اللحوم الحمراء البلدية والمستوردة وارتفاع سعر السمك مقطوع الرأس11 بالمائة وارتفاع بعض أسعار البقوليات مثل الحمص بنسبة 7 بالمائة والفول العريض 9 بالمائة والبازيلا 20 بالمائة، ووفقا لبيان الجمعية فقد شهدت أسعار القهوة ارتفاعا ملحوظا حيث بلغت نسبة الارتفاع 60 بالمائة، مثلما ارتفع سعر طبق البيض بنسبة 8 بالمائة. فعلينا إذا ما أردنا التخفيف من وطأة غلاء الأسعار ومواجهة سطوة الشركات العابرة القومية زيادة المعروض من الغذاء في المديين المتوسط والطويل، عبر تبني سياسات تهدف إلى تحفيز المزارعين على زيادة الإنتاج، مثل دعمهم ماليا وتيسير وصولهم إلى موارد الإنتاج مثل الأسمدة والبذور. وكذلك يجب محاربة الوسطاء وتجار السلع الغذائية الزراعية الذين يسهمون بشكل كبير بمضاعفة الأسعار لتضخيم أرباحهم على حساب المستهلكين، فالملاحظ أن التاجر يشتري المنتجات الزراعية من المزارعين بما يقارب الربع من سعرها في الأسواق.
والأهم من هذا كله المطلوب منا كمواطنين الضغط على الحكومات من أجل مواجهة الاعتداء على الأراضي الزراعية، ومنع البناء عليها أيا كانت المبررات، للحفاظ على ما تبقى من الأراضي الزراعية التي أصبحت بحق عملة نادرة بعد أن زحفت غابات الاسمنت على كل أرض خصبة يمكن أن تزرع.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جهاد المحيسن