لم تتغير الدنيا كثيرا؛ فمسار إصلاح الإعلام في الأردن منذ عقدين يتبدل ولا يتغير، خطوة للأمام وخطوة إلى الخلف، والمحصلة لا شيء، وعلى هذه القاعدة يفهم قانون المطبوعات والنشر الجديد الذي سهل إجراءات التقاضي في قضايا المطبوعات والإعلام، وعاد ليشرع للتضييق على الصحافة الالكترونية.
الخيبة التي يخرج بها الإعلام جراء هذا القانون يجب أن توضع في سياقها الموضوعي والمتمثل في تعثر مسار الإصلاح وعمليات الإعاقة الممنهجة التي شهدها خلال المرحلة السابقة. ولعل مهادنة الإعلام لمن سرقوا الربيع الأردني وفرغوه من مضمونه ومهادنة الإعلام لتفريغ محاولة اجتثاث وملاحقة الفساد ومهادنة الإعلام لعمليات الترقيع السياسي والاجتماعي التي هدفت الى إعادة هندسة المجتمع على مقاس النخب التي تتوارث السلطة والثروة والقوة، كل ذلك يجعل بواكي الإعلام لا صوت مسموعا لهم ويصلح عليهم القول أكلت يوم أكل الإصلاح.
بالفعل كان للإعلام الأردني شبه المستقل بعض الجهود الإيجابية في مساندة الحراك الشعبي، وفي الدفاع عن الحريات العامة، وفي تبني مبادئ الاصلاح السياسي، لكن الفجوة الحقيقية التي أحاطت بهذه الجهود تتمثل في أنها لم تغادر الطابع التقليدي الاستعراضي والانتقائي الذي سيطرت عليه الثقافة الإنشائية، ولم يخلق حالة من التراكم على الأرض تنعكس في خلق عمق اجتماعي أصيل للإصلاح، لم يذهب الإعلام للاقتراب من الناس المحبطين ولم يربط بين إحباطهم ومطالبهم اليومية وبين الحكم الرشيد، ولم يبذل في العموم جهودا في التقصي وتتبع عشرات الملفات الغامضة. في المقابل أدى غياب الكتلة الإعلامية الوطنية الملتزمة بوظيفة الإعلام في مرحلة الانتقال والتهيئة للتحول الديمقراطي إلى تسطيح المشهد والخلط بين المهني وشغل الهواة، ولعل مراجعة مضمون سقوف الحرية والقضايا والشعارات التي يتم فيها تجاوز ما يسمى لدينا سقوف الحرية، يوضح بأنها موضوعات ليست ذات بال ولا يمكن أن توصف بالعمق أو خدمة مسار الإصلاح، كل ما حدث توفير المبررات أمام المزيد من التقييد. وبالعكس تماما تبدو المفارقة في كيف قيد الإعلام إلى توفير قاعدة اجتماعية في بعض المواقف تدافع عن تقييد الحريات كما يحدث مع المواقع الالكترونية.
هناك خوف تقليدي من حرية الإعلام. وهذا مرض معروف وله أعراضه عند أولئك الذين لا ينظرون إلى الشوط بأكمله، ويكتفون بالنظر إلى جانب محدود من مشهد إصلاح الإعلام، ويسوقونه حسب مصالحهم. انتهت هذه العقلية، أو هي في طريقها إلى الزوال في البيئات التي لم تعرف في تاريخها سوى الإكراه السياسي والإعلامي، بينما لم نغادر بعد الجدل حول تشريعات عفا عليها الزمن؛ فالتقدم في إصلاح الإعلام في القطاعين العام والخاص هو الأرضية الصلبة لإدارة النقاش حول الإصلاحات الكبرى، وبدون ذلك تبقى الأفكار والنقاشات الإصلاحية مغلقة وتدار في الخلوات، وتفتقد عمقها المجتمعي.
على مدى عشر سنوات منذ إطلاق الرؤية الملكية للإعلام وإلغاء وزارة الإعلام، لم يتوقف العراك والنقاش عن إصلاح الإعلام وتطوير المؤسسات وتحسين البيئتين السياسية والتشريعية، لكن لا شيء يحدث. وبعد مراجعة عشرات الدراسات والتقارير التي تناولت إصلاح الإعلام في الأردن، يتضح ببساطة أنه لا توجد رؤية واضحة لدى الدولة الأردنية بشأن إلى أين يمكن أن نمضي في إصلاح الإعلام، وما هي حدود أو سقوف الإصلاح الإعلامي. لهذا، بقي هذا الملف مجرد ملف تابع وليس مستقلا؛ ملف ملقى دائما على الطاولة لا يغادرها ولا يفتح بشكل جدي، فيما بقيت النخب الرسمية المسؤولة عن هذا الملف مشغولة بصراعاتها، ولديها قناعة بأن اختراع المطبعة بدأ في عهدها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد