لم يكن الفساد المالي والسياسي ظاهرة محلية أو عربية الجذور، فهي ظاهرة عالمية وتاريخية النشأة؛ لكن ما يعطيها صفة العالمية أنها تبني مؤسسات خاصة بها تتجاوز إطار الدولة الوطنية، ولها مروجون من مختلف الجنسيات؛ فكما أن هنالك الشركات العابرة القومية أيضا هنالك الفساد العابر للقومية. ولكن ما هي الدوافع التي تساهم في عولمة  الفساد، وهل الفقر هو المكون الوحيد لهذه المعادلة أم تراجع منظومة القيم لدى الناس والتطاول على المال العام والخاص، أم أن سيادة ثقافة الجشع وعدم اكتفاء بعض الأشخاص بما يستحقونه ضمن الإطار الشرعي والقانوني هي التي تؤدي إلى تفاقم هذه الظاهرة؟
فمشكلة الفساد لم تعد ظاهرة محلية يتم بحثها في إطار هذا المجتمع أو ذاك، بل أصبحت  تشغل المجتمع الدولي بأسره، وأصبح الفساد المستشري ظاهرة في معظم دول العالم، وبدرجات تتفاوت بحسب طبيعة المجتمع ومنظومته التشريعية القادرة على إقامة نظام قانوني صارم يستطيع لجم قوى الفساد التي تزداد بشكل مطرد.
فحسب البيانات التي صدرت مؤخرا والتي كشفت عنها الجمعيات والمؤسسات الدولية، فإن العديد من عمليات الفساد يتم وبشكل واضح وكبير في أرفع المؤسسات الدولية والجهات الحكومية، ولا يقتصر على الموظفين البسطاء حسب بعض المحللين الذين ألقوا باللائمة على الأزمة الاقتصادية العالمية في ارتفاع معدلات الرشوة وتراجع ثقة الناس في الحكومات والبنوك والمؤسسات المالية. وشمل استطلاع بي بي سي 13 ألف شخص في 26 بلدا. ومن بين الأسئلة التي وجهت لمن شملهم الاستطلاع ما هي أكثر القضايا خطورة. وجاء الفساد ثاني أخطر قضية بعد الفقر.
واعتبر المستطلعة آراؤهم في البرازيل ومصر وكولومبيا والفلبين وكينيا أن الفساد قضية خطيرة للغاية. وفي أوروبا، كان الايطاليون الأكثر قلقا إزاء الرشوة. وتزامن نشر استطلاع بي بي سي مع يوم مكافحة الفساد الذي تقيمه الأمم المتحدة. ويُذكر أن منظمة الشفافية العالمية تنشر كل سنة ومنذ عام 1995 مؤشرا للفساد بناء على تصنيف 180 دولة في العالم وفقا لتحليل مجموعة دولية من رجال الأعمال والخبراء والجامعيين. وأشارت دراسة أن شخصا واحدا من بين كل أربعة في العالم دفع رشوة في الأشهر الاثني عشر المنصرمة.
وقال نصف المستطلعين أنهم أقدموا على دفع الرشوة "تجنبا للمشاكل"، فيما قال ربعهم انهم فعلوا ذلك "لتسريع إجراءات". أطلق على هذه الدراسة اسم "بارومتر العام 2010 للفساد العالمي"، وهي الدراسة السابعة من نوعها منذ العام 2003. وقد ركزت هذا العام على عدد اكبر من البلدان إذ أضافت مثلا الصين وبنغلادش والأراضي الفلسطينية.
فقد ساهمت الأزمة العالمية في تنامي روح الفساد. يشير مقياس الفساد 2010 في منظمة الشفافية العالمية، أن المواطنين يعتقدون بتفشي ظاهرة الفساد بشكل واسع خلال السنوات الثلاث التي مضت. والمتهم الرئيسي في هذا التفشي هو عالم السياسة. ويبقى عندنا في الأردن أن نعد دراسة لكشف حجم الفساد!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جهاد المحيسن