في الخامس عشر من نيسان (أبريل) من العام 1989، وحينما قررت حكومة زيد الرفاعي رفع أسعار عدد من السلع لم يكن يدور في خلدها في ذلك الوقت أن الاحتقان لدى الشارع الأردني قد وصل إلى حد يصعب معه تجاوز ذلك القرار من دون أن يكون هنالك رد فعل غيّر وجه تاريخ العملية الديمقراطية في الأردن من خلال ما عرف بانتفاضة نيسان، والتي عبرت عن الأغلبية الصامتة التي تحركت في السابع عشر من نيسان (أبريل) 1989 وهي التي غيرت مسارات الأحداث التي تلتها.
ولعل الأسباب التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة في جنوب الأردن وامتدت إلى باقي المناطق تعود في جذورها إلى انخفاض سعر صرف الدينار وتراجع قيمته الشرائية، وغياب الشفافية والمساءلة. ولم تكن هذه هي الأسباب الوحيدة لاندلاع الانتفاضة، بل إن انعدام الحريات العامة وغياب الديمقراطية وغياب أجواء الحريات الصحافية كلها ساهمت في توفير اللحظة التاريخية المناسبة لاندلاع الانتفاضة، والتي كانت مقدمتها قرار مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها يوم السبت الخامس عشر من نيسان (أبريل) 1989 برئاسة رئيس الوزراء زيد الرفاعي تعديل أسعار بعض المواد والسلع، وذلك تنفيذا لقرار المجلس بمعالجة العجز في الموازنة بزيادة واردات الخزينة وضبط النفقات.
ولم تكن الحكومة قد تعودت على هذا النوع من الاحتجاجات الجماهيرية التي تطالب بالعدالة الاجتماعية، ورفضت المطالب الشعبية واعتقلت المئات في مختلف المحافظات، وكان للجنوب نصيب الأسد من المعتقلين. وحسمت الحكومة خياراتها في مواجهة الأزمة، من خلال إجراء مراجعة شاملة، والتوجه نحو المصالحة الداخلية، فأطلق سراح المعتقلين وأعلن عن موعد إجراء انتخابات نيابية كمقدمة موضوعية لبداية مرحلة جديدة.
وعلى الرغم من إقالة حكومة زيد الرفاعي وإجراء انتخابات نيابية في خريف العام 1989، إلا أن ذلك كله لم يُحدث التغيير الجوهري المطلوب. فقد تراجع الإصلاح السياسي، في حين كانت التوقعات من الجميع بأن مستقبل الديمقراطية في الأردن سيكون في تصاعد مستمر. ولم تعد المجالس النيابية المنتخبة تعبر عن طموحات الجماهير، فقد أصبحت جزءا من معادلة السلطة التنفيذية. وأخفقت الصحافة في تحقيق الدور المطلوب منها في دفع عجلة التقدم في الحريات العامة نحو الأمام. ورغم وجود قوانين ناظمة للعمل الحزبي والعمل العلني للأحزاب بعد سنوات طويلة من العمل السري الذي ساهم في ضعف صورتها أمام الشارع الأردني، إلا أن الأحزاب كذلك تتحمل جزءا من المسؤولية عندما انكفأت على ذاتها ولم تعد قادرة على إنتاج برامج تستقطب الجمهور والمنتسبين إليها.
في المحصلة النهائية فإن انتفاضة نيسان (أبريل) 1989 تشكل الجسر الذي عبره الأردنيون نحو الديمقراطية التي ظلت تعاني لغاية هذه اللحظة من انتكاسات. وحري بنا وبكل المحبين لهذا البلد الانتباه إلى خطورة التراجع عن خط الإصلاح السياسي الذي هو صمام الأمان لمستقبل الأردن، والعمل سويا لبناء مؤسسات ديمقراطية وإنسان ديمقراطي قادر على استيعاب الرأي الآخر، وتجنيب البلاد تكرر ما حدث العام 1989!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن