تبدو أزمة القوى القومية واليسارية الأردنية اليوم في أوجها، ولعل مثالها الواضح في مواقفها المتباينة من المشاركة في الانتخابات القادمة بين القبول والرفض أو الحيرة والتردد وعدم حسم الموقف، وفيما تدور الأحداث وتتسارع التطورات حيث تتراجع فرص المناورة السياسية، ما يزال الرفاق حائرين بينما الأحداث قد تتجاوزهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المزيد من الفرص في الحضور السياسي تنتظرهم.
  دخلت القوى اليسارية والقومية خلال العقدين المنصرمين في حالة من الضمور التنظيمي وتراجع الحضور في الشارع لأسباب موضوعية معروفة، ومع بداية الحركات الثورية العربية وقبلها الحركات الاحتجاجية الشعبية عاد اليسار الأردني للتنفس من جديد وظهرت قوى محلية صغيرة ومتوسطة؛ الجديد فيها أنها رفضت ارتداء جلابيب الآباء والأحزاب والقوى اليسارية التقليدية، ولعل أهمها تيارات اليسار الاجتماعي المنضوية في تنظيمات، وتلك غير المنظمة التي تدعو إلى القليل من التنظير والكثير من النزول إلى الناس وإلى دور اجتماعي واضح للدولة، واقتصاد اجتماعي مسؤول، وهو الأمر الذي وصل إلى حد أن تتبناه بعض النخب الرسمية في لحظة ما.
تعددت مواقف التيارات القومية واليسارية بشأن المشاركة في الانتخابات، ورغم رفضها جميعها لقانون الانتخاب الحالي، فإنها ذهبت الى دعوة كوادرها بشكل مباشر أو غير مباشر إلى التسجيل في قوائم الناخبين والحصول على البطاقات الانتخابية، وهي الخطوة التي رفضتها الحركة الاسلامية الشريك القديم لهذه التنظيمات في لجنة التنسيق الخاصة بأحزاب المعارضة. وفيما تفرد حزب البعث التقدمي بقراره بالذهاب الى المشاركة في التسجيل والترشيح والانتخاب، ما تزال الأحزاب اليسارية والقومية التقليدية الأربعة الأخرى حائرة وتنتظر واكتفت بقرارها بالتسجيل.
 وبينما الرفاق يفكرون بالخطوة القادمة وبالتحولات السريعة، يزداد الحديث عن فرص متفاوتة تتوفر للقوى اليسارية والقومية في ضوء غياب الإسلاميين وحاجة الدولة إلى الخروج بمجلس نواب ينطوي على حد من التنوع الذي يمكّن هذه القوى ان تسهم به بشكل أو بآخر، وهذا ما يفسر ازدياد الحديث عن قوائم وطنية لليسار والقوى القومية من المحتمل أن تكون على درجة من القدرة على المنافسة، وتحديدا إذا ما استطاعت بعض قوى اليسار من التحالف مع بعض قوى الحراك الشعبي وإقناعها بالذهاب إلى الانتخابات، الأمر الذي سيوفر غطاء ومرونة لدخول الدولة في أول شكل من أشكال الحكومة البرلمانية.
هذا الاتجاه الذي يتوقع دورا أكبر مرغوبا للقوى اليسارية والقومية  ازداد حضوره مع رفض الحركة الإسلامية لما يبدو أنه الفرصة الأخيرة  للمشاركة قبل تحديد موعد الانتخابات، وتزداد قوة الدفع نحوه مع استمرار بشار الأسد في دمشق حيث باتت الأمور تزداد تعقيدا بعد فشل منظمات الأمم المتحدة في مجلس الأمن والجمعية العامة في اتخاذ مواقف حاسمة مما يحدث في سورية، بينما سيذهب الاميركيون إلى الانشغال قريبا في الانتخابات الرئاسية. المسألة هنا لا تحسب بالحجم التنظيمي لهذه القوى أو حضورها في الشارع، بل في الاستثمارات السياسية المتبادلة، وربما بتفسير جديد للمصالح الوطنية الاستراتيجية من قبل الدولة.

 

بقلم: د.باسم الطويسي


المراجع

almadenahnews.com

التصانيف

صحافة   د.باسم الطويسي   العلوم الاجتماعية