رفع شعار وبرنامج عمل في الأردن قبل عقود "نحو أردن أخضر عام 2000". ولكن بدا من الواضح أن هذا الشعار اندثر ولم يعد له وجود على أرض الواقع، بل ما يحدث الآن هو عكس ذلك تماما. فأمام سيادة ثقافة الاستثمار على حساب الإنسان والحيوان والنبات، بات كل شيء مباحا في سبيل تحقيق الربح ولو على حساب النزر اليسر من الأشجار في الأردن.
أول من أمس كتبت الزميلة فرح العطيات تحقيقاً في "الغد" يتناول موضوع غياب استراتيجية وطنية واضحة لحماية الغابات، وتفضيل المشاريع الاقتصادية على المساحات الخضراء. والكل يعرف أن الغابات في الأردن تشكل ما نسبته أقل من واحد بالمئة من مجمل أراضي الأردن، وأن الزحف العمراني على الأراضي الزراعية قد وأد كل فرصة في المستقبل للحفاظ على ما تبقى من أراض زراعية في الأردن. وأشارت الزميلة العطيات إلى المراسلات التي تمت بين وزير الزراعة سمير حباشنة قبل نحو 3 أسابيع ورئيس مجلس النواب فيصل الفايز ووزير الشؤون البرلمانية، والتي تؤكد أن القرارات الحكومية التي سمحت بإنشاء مشروع على أراضي غابة دبين خالفت قانون الزراعة والتعليمات الصادرة بموجبه، ونظام استعمالات الأراضي، وأنه لم يتم الالتزام ببنود مذكرة التفاهم التي تقضي بالسماح بقطع 202 شجرة، حيث تم قطع ونقل 544 شجرة!
ويبدو أن السيناريو المتعلق بدبين سوف يتكرر أيضا بما يخص غابات برقش. فقد وافقت لجنة نيابية مشتركة على إنشاء مشروع كلية عسكرية في غابات برقش والسماح بتقطيع 300 شجرة، على الرغم من كل الاحتجاجات التي تلت هذا القرار. ويبدو أن السمة العامة تسعى إلى تصحير الأردن، وليس جعله بلدا أخضر. فليس من المعقول أن نقوم عن قصد، وفي سبيل الاستثمار، بالقضاء على أشجارنا التاريخية التي هي جزء أساسي ومكون من مكونات الهوية الوطنية، فبالأمس أيضا ماتت أقدم شجرة بلوط في لواء الكورة بعد أن جفت أغصانها بالكامل، وبلغ فيها التسوس مرحلة لا تتمكن معها الأغصان من الاستمرار في الصمود.
وكانت شجرة القينوسي الواقعة غرب بلدة سموع قد واجهت نهاية غير متوقعة قبل أكثر من خمس سنوات حينما أجريت حفريات في ظلالها من قبل مستثمر محلي أقام استراحة تحت ظلال الشجرة التي تعود ملكيتها للأوقاف. وكانت الشجرة تعد من أبرز الأشجار المعمرة، وكانت توصف بعميدة أشجار البلوط في المملكة، حيث إن مساحة ظلالها تزيد على 50 مترا مربعا، بينما ترتفع أغصانها نحو 18 مترا، وساقها نحو خمسة أمتار!
من المحزن جدا أن الأشجار في كل أصقاع المعمورة تموت واقفة، ما عدا عندنا نحن فإن الأشجار نقتلها بأيدنا، ونضع تاريخا من الأشجار أمام ضربات معاول المستثمرين الذين لا يتوانون عن عمل أي فعل في سبيل تحقيق الربح.. والربح وحده!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن