في المجتمعات المتحولة تبقى كفاءة الأفراد على رأس السلطة أحد الأسس المتينة لإحداث الاختراقات والتغيير، الأمر الذي لا يعفي الريئس الجديد عبدالله النسور من إحداث اختراقات حتى في ظل المحددات والظروف الدقيقة.
خلال العقدين الأخيرين تراجعت بشكل كبير كفاءة رؤساء الحكومات الأردنية، وينطبق عليهم بالفعل وصف كبير الموظفين، فلم يعد لرئيس الوزراء في معظم الأحيان سوى تنفيذ أجندة المؤسسات الموازية. 
  في تجارب دول المشرق العربي في النصف الأول من القرن العشرين تحديدا، هناك أمثلة محيرة لنضوج أنوية ليبرالية حقيقية ووطنية، سرعان ما خبت وانطفأت، يمكن قراءة ذلك بسهولة في ملامح متقدمة في بنية المؤسسات وفي علاقة السلطات التنفيذية بالمجتمعات وفي سلوك النخب وحتى في دور رجال الأعمال الأوائل. بسهولة يمكن الحسم بأنّ أداء رؤساء الحكومات في الأردن قبل ثمانية عقود متقدم على ما شهدته البلاد خلال العقدين الأخيرين على أقل تقدير. 
  منذ النصف الثاني من عقد العشرينيات، أخذت النخبة السياسية المبكرة تخط تقاليد واضحة للولاية العامة، ضمن محددات سيطرة سلطة الانتداب ونفوذ مزاج الضباط الإنجليز. ورغم أن مجلس الوزراء بصيغته المعروفة وبمسماه الحالي لم يظهر إلا عام 1939 حيث توالت صيغ مجلس المشاورين، مجلس المستشارين، مجلس الوكلاء، مجلس النظار، المجلس التنفيذي، ثم مجلس الوزراء، إلا أن وظيفة رئيس السلطة التنفيذية كانت واضحة، كما أن البيان الوزاري الذي تتقدم به الحكومة بسيط في بنوده، لكنه يحمل رؤية واضحة قابلة للمراجعة والمساءلة. 
  قد لا يتفق المرء مع العديد من السياسات التي مورست في تلك الحقبة، وربما لا تشكل بعض محطاتها حالة للإعجاب، لكن لا يملك القارئ النزيه إلا احترام الأداء العام للإدارة العامة.
  يبدو ذلك واضحا في منظومة النزاهة العامة، وما وفرته من إجراءات وضبط ومعايير، بالرغم من أن الملف المالي كان تحت سيطرة المعتمد البريطاني، وأحد الأمثلة على ذلك رفض رئيس الوزراء مشروع اليانصيب الخيري عام 1932، الذي دعمته بلدية عمان بهدف إنشاء مستشفى، وذلك لأسباب تتعلق بصعوبة ضبط  النزاهة. كان رئيس الحكومة في عهد الإمارة يرتبط بشبكة من التقاليد المؤسسية والإجراءات الرسمية التي تكفل تواصله الدائم مع مقاطعات الدولة، وكان لرئيس الحكومة برامج دورية للزيارات التفتيشية للإشراف المباشر على الشؤون العامة وشؤون الأهالي. وقد تستمر الزيارة التفتيشية أسبوعين أو أكثر في لواء او مقاطعة واحدة من البلاد.
    وعادة ما يتخذ الأخير إجراءات فورية وحازمة، كما فعل نتيجة التقرير الذي كتبه المفتش العام بعد زيارته إلى معان وطالب فيه بعزل متصرف اللواء، نظرا لتردي الأحوال العامة وتقلص نفوذ الحكومة وهيبتها! 
   من المفارقات في تلك المرحلة رفض رئيس الحكومة مرارا تعديل قانون المخاتير، حيث كان المختار وهيئته الاختيارية ينتخب كل عام من قبل المواطنين مباشرة، بينما كان الحكام المحليون وبعض الجهات الأخرى تطالب بأن يتم تعيينهم من قبل الدوائر الرسمية، حيث دار جدل حول هذا الموضوع، ما دفع أحد رؤساء الوزراء الى الدفاع عن موقفهم، بالاستناد الى التجربة الموجودة في قبرص في انتخاب ممثلين محليين يشبهون في وظيفتهم  مخاتيرنا.
  كما توضح وثائق تلك المرحلة ان بعض رؤساء الوزراء كانوا يملكون الجرأة للتصريح علانية أمام الأمير وأحيانا أمام العامة بأنهم لا يحتملون تعليمات المعتمد البريطاني وتدخلاته، وبعضهم خرج من الحكومة ثمنا لذلك. على الجهة المقابلة، كان الوزراء يملكون الجرأة، حدّ المطالبة بإقالة الرئيس نتيجة ضعفه في تسيير إدارة البلاد مثلما حدث مع رئيس الحكومة مظهر أرسلان ذات زمان.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد