سلسلة التصريحات الأخيرة التي أطلقها رئيس الوزراء تدلل على حسن النوايا الرسمية بعدم التورط هذه المرة بالتدخل في الانتخابات القادمة. ثمة إدراك رسمي واضح أن تزوير الانتخابات القادمة سيكون انتحارا سياسيا لمستقبل الإصلاح والحياة البرلمانية، لذا وإلى هذا الوقت، تؤخذ وعود الرئيس على محمل الجد، فلن يكون للدولة وأجهزتها مرشحون، ولن تدخل بشكل مباشر في توجيه الانتخابات، ما يجعل معركة الانتخابات القادمة هي معركة المال السياسي بامتياز، وما يجعل اختبار النزاهة الفعلي للانتخابات يتجه صوب المال السياسي وتزوير الإرادة الشعبية قبل الاعتبارات الأخرى.
  مع تردد الاخبارعن بدء بعض القوى السياسية والاجتماعية باستمزاج الآراء لتشكيل قوائم وطنية وفق مقتضى القانون، برز الصوت الأبرز لقوائم يدعمها رجال أعمال وسياسيون خلافيون يقف خلفهم سيل من المال السياسي الذي بدأ بالتحرك في طول البلاد وعرضها. وقبل انتهاء عملية التسجيل ترددت أنباء موثوقة عن قيام أفراد باحتجاز آلاف البطاقات الانتخابية لمواطنين. ومع انتهاء التسجيل وتحديد موعد الانتخابات أخذ المئات من المرشحين المحتملين بالتحرك في عشرات المدن بحثا عن  أصوات وبحضور واضح للأساليب الملتوية التي مورست في الانتخابات السابقة.
 ثمة سوق لشراء الأصوات بدأت ملامحها تتشكل، تقودها منافسة حادة على من يدفع أكثر ومن هو محمي أكثر. وتشير بعض التقديرات غير الموثّقة أن الحملة الانتخابية القادمة سيصرف فيها من المال السياسي ما يتجاوز نصف مليار دينار، وستكون معركة تكاسر بين نخب حكومية متقاعدة ورجال أعمال؛ عنوانها الأبرز ضمان إغلاق ملفات الفساد، فالحديث يدورعلانية اليوم على من سيكون له نواب أكثر في المجلس القادم.
لم توفر التشريعات الجديدة ضمانات واضحة وجادة لدرء خطر المال السياسي قي العملية الانتخابية، ولا يوجد تعريف قانوني واضح لملاحقته والحد من انتشاره، فقد أظهر التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية للعام 2011 الضعف الشديد في التشريعات الاردنية في مجال التمويل السياسي، حيث 67 % من التشريعات ذات الصلة بالتمويل السياسي حصلت على درجة ضعيف، كما أن التشريعات الجديدة التي لم تختبر تعاني من مظاهر متعددة من الضعف الذي قد يتسرب منه المال السياسي أو يكرس عدم مراعاة العدالة الانتخابية.
المال السياسي يتحرك بسرعة أكبر مما تتصور الهيئة المستقلة وأكثر أثرا من وعود ووعيد الرئيس، ما يجعل مهمة التصدي للمال السياسي الذي يهدد بإفساد الانتخابات القادمة معركة حقيقية لا وقت للتكتيك والتأني فيها، وتحتاج ضربات حاسمة خلال الأسابيع الثلاثة القادمة.
المسألة لا تقف عند سلوك وإجراءات للهيئة المستقلة، بل هي مسؤولية الدولة ثم المجتمع. على الهيئة أن تشتغل خلال أيام قليلة على إصدار تعليمات تنفيذية محددة وواضحة حول المال السياسي.
  تحتاج معركة نزاهة الانتخابات والتصدي للمال السياسي أن تشكل الأجهزة الأمنية فرقا لتتبع مروجي شراء الذمم وتقديمهم للعدالة، تحتاج الأجهزة الأمنية أن تستثمر هذه الفرصة كي تستعيد ثقة الناس باعتبارها حامية لنزاهة الانتخابات، لا متورطة في تزويرها. تحتاج الهيئة المستقلة بموجب قانونها أن تصدر تعليمات أخرى لسلوك وسائل الإعلام في الحملة الانتخابية، في الوقت الذي بات يتردد أن البعض قبضوا وقضي الأمر، وتحتاج الهيئة المستقلة ان تدعم تحالفا مدنيا آخر لمراقبة المال السياسي فقط، وتحتاج الهيئة أن تطلق مرصدا وطنيا مستقلا للتبليغ عن شكاوى الابتزاز بالمال السياسي. وقبل كل ذلك يحتاج المجتمع أن يرى على الأرض سلوكا جادا ورادعا في تأديب هذه الفئة قبل أن تغتال الانتخابات وأشياء أخرى.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد