أقوى الشعارات وأكثرها تأثيرا في جموع المتظاهرين في العالم العربي كانت تنصبّ على مسألتين، كل منهما تكمل الأخرى؛ الأولى تتعلق بالعدالة الاجتماعية، والثانية مرتبطة بالكرامة الإنسانية التي هي الرديف الأساسي للعدالة الاجتماعية، بحيث يصبح من المستحيل الفصل بين الاثنين، تلك العدالة التي لا تتحقق إلا من خلال توزيع عادل للثروات، وتوفير فرص العمل للقادرين، مع توفير الرعاية الصحية والاجتماعية للفقراء في كثير من الدول التي تشكو غياب التخطيط السليم لاقتصاداتها، وبالتالي غياب العدالة الاجتماعية وانعدامها.
ومع اتساع حجم المعرفة لدى المواطن العادي، فتحت أبواب المدينة المحرمة أمامه، وأصبحت المعلومات التي يلتقطها تدفعه للسخط والتعبير عن هذا السخط بالاحتجاج، وإسقاط الأنظمة والحكومات. واليوم ثمة مصادر متعددة حول حجم الثروات للأفراد والمؤسسات، وأيضا حجم الهدر والإنفاق والفساد في ذات الوقت، ما يعني أن الجميع أصبحوا على معرفة واسعة بطبيعة وحجم الغبن حول مفهوم تكدس الثروة لدى البعض وموت البعض الآخر جوعا أو بيع جسده كقطع غيار!
ومثال حجم المعلومات عن تكدس الثروة، والتي تجعل من ميدان الاحتقان الجماهيري حقلا خصبا للتمرد على غياب العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للثروة، ما نشرته شركة "ميريل لينش" للخدمات التمويلية العالمية. إذ يقوم جوهر عمل هذه الشركة من خلال شبكة شركاتها التابعة والحليفة على تقديم خدمات عديدة، مثل خدمات سوق رأس المال والاستثمار والاستشارات وإدارة الثروة وإدارة الأصول والتأمين البنكي، بالإضافة إلى خدمات مالية أخرى حول تطور الثروات الفردية عالميا.
وفي تقرير الثروات العالمي السنوي الـ15، ذكرت الشركة أن حجم ثروات وأعداد أثرياء العالم في جميع مناطق العالم تقريبا ارتفع في العام 2010 إلى مستويات تجاوزت مستوياته العام 2007 قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية. وأوضح التقرير أن نمو حجم ثروات وأعداد أثرياء العالم بلغ مستويات أكثر استقرارا العام 2010، حيث ارتفع عدد الأثرياء بنسبة 8.3 % ليبلغ 10.9 مليون ثري، وارتفع حجم ثرواتهم بنسبة 9.7 % ليبلغ 42.7 تريليون دولار (مقارنة مع ارتفاعهما بنسبة 17.1 % و18.9 % على التوالي العام 2009)، في حين ارتفع عدد كبار الأثرياء بنسبة 10.2 %، وارتفع حجم ثرواتهم بنسبة 11.5 % العام 2010. وشهدت منطقة الشرق الأوسط واحدة من أعلى معدلات النمو بعد أفريقيا، وارتفع عدد أثرياء المنطقة بنسبة 10.4 % إلى 440 ألف ثري، كما ارتفعت ثرواتهم الإجمالية بنسبة 12.5 % لتصل إلى
1.7 تريليون دولار. ويأخذ التقرير في الاعتبار الأفراد الذين لا تقل قيمة صافي أصولهم عن المليون دولار، باستثناء منازلهم الرئيسية ومقتنياتهم الاستهلاكية، وللأفراد الذين لا تقل قيمة صافي أصولهم عن 30 مليون دولار، باستثناء منازلهم الرئيسية ومقتنياتهم الاستهلاكية!
في المقابل تزداد فجوة الفقر عالميا، وخصوصا في منطقتنا، وذلك من خلال المعطيات التي قدمها التقرير وغيره من التقارير العالمية التي تتحدث عن حجم الثروات الفردية، ما يدفع المواطن للتفكير كثيرا للخروج من معادلة الفقر التي تفرض عليه، في حين أن حفنة من الأشخاص يتحكمون في مصيرنا المعيشي!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن