ينتظر كثير من القطاعات الاقتصادية، بفارغ الصبر، فصل الصيف؛ خصوصا في خضم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد. فالصيف يعني قدوم المغتربين وكذلك المصطافين من دول الخليج العربي، خصوصا بعد ما يحدث في مصر وسورية وتونس من ثورات جماهيرية جعلت السائحين يتوجهون إلينا، ولكنّ خللا بنيويا في ثقافتنا ككل، ومن ضمنها ثقافتنا السياحية، يحول دون تدفق المصطافين إلينا ويجعلنا جهة غير مرغوبة في كثير من الأحيان نتيجة لتلك الثقافة المنفرة.
ولعل وسائل المواصلات، وعلى رأسها سيارات التكسي، تمثل المفتاح الأول لفهم هذه الثقافة التي تبعث على الاستهجان. فعندما تشير بيدك لسائق التكسي، وقبل أن تضع قدمك في السيارة، يسألك إلى أين الوجهة؟ فإذا قلت على سبيل المثال لا الحصر جبل عمان الدوار الرابع، فانه بلغة "النتر" يخبرك بأنه لا يريد التوجه إلى هذا المكان. والحادثة تتكرر مع أكثر من سائق، وكأن واقع الحال يقول إنه يجب عليك أن تمتثل لرغبات السائق في الوجهة التي يريدها هو لا أنت.
والشيء بالشيء يذكر في قطاعات أخرى يفترض أنها تشكل حافزا لجذب السياح والمواطنين للتوجه لطالبي هذه السلعة أو تلك، ولكن بنفس اللغة وبنفس المكونات الثقافية يتم التعامل معك بحيث تندم على قيامك بالشراء أو مجرد السؤال. هذه الثقافة غير الصحية تشكل عائقا وتحديا كبيرا أمام الكثيرين للقدوم إلى الأردن، ويتعاملون بحساسية عالية بسبب هذه النظرة التي هي في أحيان كثيرة صحيحة. فكثير من الأصدقاء، من لبنانيين وخليجيين وغيرهم، يصفوننا "بالجفاصة"، والتي ندفع ضريبتها مضاعفة بسبب عدم حسن إدارة المواقف وجذب السائح إلينا، فالقصة ليس كما يُعتقد أننا شعب لا يضحك ولكن القصة أننا شعب "جفص".
فما هو الحل للخروج من هذا المأزق الحقيقي الذي وضعنا أنفسنا فيه؟ الأمر يتطلب تغييرا جذريا في سلوكنا وثقافتنا، حتى نتمكن من تغيير الصورة التي يضعنا فيها الآخرون ممن يزوروننا. وهذا يتطلب تعزيز ثقافة التسامح، ويستدعي في ذات الوقت أن تتحمل كل جهة مسؤوليتها لتغير هذا السلوك وتلك الثقافة. فمثلا، لا بد أن تقوم نقابة السائقين بعمل دورات مكثفة للسائقين في فن التعامل مع الزبون. وليس صحيحا أن هذا المطلب صعب ولا يمكن تحقيقه، فمن حقنا كمواطنين وسائحين ووافدين أن يتم التعامل معنا بطريقة تليق بإنسانيتنا، ومن واجباتنا أيضا أن نتخلى نحن أيضا عن تلك الثقافة التي أصبحت من مكونات شخصيتنا الأردنية، واعني بذلك "الجفاصة".
ثمة فن تفتقده تركيبتنا الثقافية في التعامل مع الأشياء التي تدر علينا منافع كثيرة، على الرغم من أننا نجيد فنونا كثيرة تتعلق بالسدح والانبطاح والتسلق والتملق وقفز الحواجز وتكسير كل التابوهات، لكن في هذه الجزئية نخفق، وأقصد التعامل بتسامح!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن