نجحت حكومات دول المنطقة في بناء اجهزة امنية حديدية ووظفت افضل التقنيات بهدف حماية النظم السياسية وكبح التنمية السياسية والديمقراطية، وبعض الدول استطاع تقديم نماذج ديمقراطية تجميلية بعيدا عن الجوهر خلافا للمقولة الشهيرة "المضمون يعلو على الشكل"، والبعض الآخر استكثر "الجراحة التجميلية للديمقراطية" على شعوبها، وفي نفس الوقت اخفقت كافة الحكومات العربية ومعظم الدول النامية في بناء نموذج تنموي اداري واقتصادي اجتماعي عصري، لذلك كانت دول الجنوب مرتعا للثورات والاحتجاجات منذ سنوات وعقود وما زالت بما يحمله ذلك من تكاليف مادية ومعنوية باهظة الثمن تفتح الباب امام مستقبل مجهول.

وفي خضم مطالبات الاصلاح ومكافحة الفساد المستمرة لا يستطيع المراقب تحديد نقطة البداية للاصلاح ومكافحة الفساد والسبل الفاعلة لانجاز ذلك للخروج من عنق الزجاجة، فالحكومة السابقة والتي سبقتها واجهت نفس المطالب، وكان رئيس الحكومة ووزراؤه هدف المطالبين بالاصلاح، وتحسين مستوى معيشة المواطنين المطلب الاكثر الحاحا في ضوء ارتفاع تكاليف الحياة ونوعيتها بعد ان تأكلت قدراتهم الشرائية في تلبية الاحتياجات الاساسية من مسكن ومأكل وملبس وخدمات اساسية من تعليم وصحة.

البعض يطرح الموضوع من منظور خاص ومن قصور ما يراه في المحافظات والارياف والبادية، ويقولون ان امورنا بألف خير ومن لا يصدق ذلك ليذهب الى المولات والمطاعم والمقاهي الراقية والمتوسطة في عمان وضواحيها، ويراقب زيادة اعداد السيارات الفارهة التي تنمو شهرا بعد اخر، وهذا التشخيص صحيح الى حد ما، لكن الواقع في المدن والمحافظات الاخرى يقدم صورا مؤلمة تشير الى معاناة السواد الاعظم من الاردنيين الذين يعانون شظف العيش في ظل نقص فرص العمل وزيادة اسعار السلع والخدمات، ويقول متوسطو الحال ان فئة الخمسين دينارا تنفد من جيب المواطن اذا هم بشراء مجموعة قصيرة من السلع الغذائية من مأكل ضروري وتنكة بنزين من النوع الرديء لمركبته او كاز التدفئة.

اصعب ما يمكن ان نواجهه ان نرى جميع المفاتيح في ايدي الحكومات دون ان تديرها بالاتجاه الصحيح وفي الوقت المناسب، ومنذ اكثر من ثلاث سنوات والجميع بعد تشخيص معمق لمعاناتنا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا كان وما زال المطلوب الاعتراف بالازمات والتحديات التي تواجهنا اولا، والشروع بوضع خطط وبرامج قابلة للتنفيذ مع اجراء مراجعة دورية لهذه البرامج والخطط وتعديلها بحيث نحقق الاهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة الامد، الا ان المراقب الراصد لذلك يجد اننا كنا والارجح ما زلنا نسير الى الوراء من موقع الى موقع اخر ونسارع الى تحميل الظروف الخارجية اقليميا ودوليا المسؤولية كاملة ونبرئ انفسنا وسياساتنا منها.

الحالة التي نعيشها تحتاج الى حلول غير عادية لانعاش الاقتصاد، واعتماد رقابة مسؤولة على الشركات والمؤسسات الخاصة بعيدا عن التعسف، ورعاية المبادرات لاستعادة الثقة التي اضيرت خلال السنوات القليلة الماضية.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خالد الزبيدي   جريدة الدستور