ما إن تحرك الأردن على مسار التسوية "الإسرائيلية" الفلسطينية، حتى بدأ
الحديث عن رفض هذا الدور الأردني. وأقصد بذلك الرفض من قبل اليمين العنصري
الإسرائيلي الذي يعتقد جازما أنه يجب أن لا يكون للأردن أي دور سياسي في
عملية التسوية أو أي أطار سياسي في الإقليم، بعد أن كان الأردن يشكل محورا
في السياسة الإقليمية، بعد سنوات طويلة من تخليه عن هذا الدور الاستراتيجي
وانتهاج سياسة الانكفاء على الذات، رغم حجم المتغيرات الكبيرة والمهمة التي
تحدث في الإقليم، والتي تستدعي عودته بقوة إلى المشهد، وخصوصا فيما يخص
الصراع العربي "الإسرائيلي".
رغم موقفنا الرافض لمبدأ التسوية السياسية
مع دولة العدو من أصلها، إلا أن ذلك لا يعني ترك دولة الاحتلال الإسرائيلي
الطرف الوحيد في لعبة التسوية ولعبة الصراع أيضا. ويبدو أن هناك خطابا
متأصلا في الثقافة السياسية العنصرية الإسرائيلية، بأنه يجب أن يبقى الأردن
دولة هامشية في القضايا المصيرية في المنطقة، وعلى رأسها القضية
الفلسطينية التي لها امتدادات سياسية واجتماعية كبيرة على الساحة الأردنية.
وبالتالي، تفترض طبيعة العلاقة التاريخية مع فلسطين المحتلة أن يقوم
الأردن بدور واضح في معادلة السلم أو الحرب في المنطقة. والتأكيد على
الوجود الأردني في ذلك السياق يعني التحدث عن خيارات الفلسطينيين
والأردنيين على حد سواء من قضية التسوية التي سوف تحدد شكل العلاقة
المستقبلية بين البلدين.
لكن يبدو أن العدو الإسرائيلي لا يروق له أي
تحرك من الطرف الأردني على أي مسار يتعلق بالفلسطينيين، سوى طرح خيارات
الوطن البديل الذي لا ينسجم وواقع الحال على الأرض. وفي ذلك السياق يمكن
فهم تصريحات سيئ السمعة والصيت النائب الإسرائيلي المتطرف "آرييه الداد"
الذي وصف الوساطة الأردنية لإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين
والإسرائيليين بأنها مذلة للدولة العبرية. وتأتي هذه التصريحات عشية اللقاء
بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بحضور اللجنة الرباعية الدولية، من
أجل إعادة إحياء عملية السلام في المنطقة.
التصريحات التي نشرتها
الإذاعة العبرية على لسان "آرييه الداد"، بأن لجوء نتنياهو إلى الوساطة
الأردنية يشكل إذلالا لإسرائيل، لاسيما في ظل المعلومات المتوفرة حول
احتمال تحول عمّان إلى المقر البديل لقيادة حماس بعد فرارها من دمشق، على
حد تعبيره، تلك التصريحات تؤكد أن السياسة الخارجية الأردنية يجب أن تقف
موقفا حازما وواضحا من القضايا المتعلقة بمصير الأردن وفلسطين، خصوصا أن
الداخل الأردني يرفض تماما لعبة التسوية من أصلها، ما يعطي فرصة أكبر للضغط
على دولة العدو للالتزام وبدون مماطلة أو تسويف بالمطالب الشرعية
الفلسطينية التي عبر عنها صائب عريقات للصحفيين في مؤتمر عقده في رام الله
قبيل بدء المحادثات، وتأكيده أن "الجهود الأردنية هي جهود اللحظة الأخيرة
لإنقاذ الوضع". وعلى الجانب الأردني أن يقاتل من أجل وقف الاستيطان
والاعتراف بحدود 1967 كأساس للتفاوض، وعودة اللاجئين، وإلا بقينا تحت رحمة
أمثال الداد، وانطبق علينا المثل القائل "مأكول ومذموم"!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن