"ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان" (الشهرستاني).
الملاحظ على الربيع العربي كثرة الشعارات التي طرحت في العالم العربي، حتى صدق القول بحقها إن "الحابل اختلط فيها بالنابل"، لغرابة بعض الشعارات والهتافات التي يختلط فيها الوهم بالواقع، والتاريخ بالمستقبل، والثقافي بالاجتماعي، والسياسي العصري بالتاريخي الموروث. وفي هذا الخليط العجيب يتضح عدم وجود رؤية واضحة لمستقبل الدولة المنشودة. وهذا القول ينطبق على الإسلاميين والعلمانيين وغيرهم ممن يراوحون بين الاثنين.
تلك الشعارات تؤكد حقيقة أن ثمة خللا يعتري البناء الثقافي والتصور العملي والعلمي لمستقبل الدولة في العالم العربي. وهذا لا يجب أن يفسر على أنه نقد من أجل تسويف الحالة الحركية في العالم العربي، بقدر ما هو توصيف لمشهد تغيب فيه تصورات حقيقية للمستقبل. فالعلمانيون انشغلوا بنقد الحركات الإسلامية، وخصوصا بعد أن حققت نجاحات متتالية في تونس والمغرب ومصر، ولم يكن بين أيدي هؤلاء العلمانيين ما يقدمونه للجماهير التي انتخبت التيارات الإسلامية سوى الحديث عن تهافت خطابهم، وهذا يفسر إخفاقهم في عدم القدرة على كسب الشارع إلى صفهم، والوصول إلى النتائج التي يرجونها. غير أن هذا لا يعني أن الخطاب الذي قدم للشارع من قبل الإسلام السياسي هو خطاب يستطيع أن يخرج جموع الأمة من مستنقع الاستبداد الذي ترزح تحته منذ قرون طويلة.
ولذلك، من بين الشعارات التي طرحها المتظاهرون العودة إلى الخلافة. وفي تناغم مع تلك الحالة الجماهيرية، أعاد الإخوة في تونس بعد الوصول إلى السلطة طرح الشعار من جديد والحديث عن خلافة راشدة! وهذا بحد ذاته يؤكد أن ثمة خللا في فهم الواقع، وأن السياسي الموروث ما يزال يعشش في الذهن، رغم كل المزالق والمخاطر التي يحملها مثل هذا الخطاب الذي يريد العودة إلى التاريخ بأثر رجعي، مستثنيا شروط التاريخ، وعدم المعرفة بأن التاريخ صيرورة؛ تتشكل وتتبدل حسب معطيات ثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية تختلف جذريا عن السياقات السابقة. وبذلك يكون هذا الخطاب منفصلا تماما عن الواقع الاجتماعي الجديد.
ويبدو أن كثيرين ممن يدعون إلى هذا الخطاب السياسي، ولو بمجرد الحلم والتأمل، ينسون أن المسألة أعقد من ذلك بكثير، وأن العودة لاجترار التاريخ والحديث عن خلافة راشدة جديدة لا يمكن أن تكون إلا بإجماع الأمة، وأعني بذلك العملية الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع، على أن لا يكون الفرد فيها الطرف الوحيد، فهو فرد واحد أمام إرادة الأمة. فالمستبد العادل لم يعد له وجود على أرض الواقع، والعودة إلى رومانسيات التاريخ عودة محفوفة بالمخاطر، بل إن هذه العودة تأخذ ما يخدم فكرتها من روايات وأحاديث الكثير منها ما يزال بحاجة إلى التحميص والنقد، بل والشك أيضا. لذلك، فإن الوقوف على أطلال التاريخ والتبشير بالخلافة، يعني أن ثمة تحولا من الحنين الوجداني إلى الواقع المعاش، في حين أن الواقع يقول عكس ذلك. ولذلك، وجب الانتقال بالوعي إلى مرحلة جديدة تأتلف فيها كل أطياف المجتمع، من علمانيين وإسلاميين وحتى المنقرضين، في عملية ديمقراطية تنتج النموذج المنشود.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جهاد المحيسن