جاوَبَ الإخوان المسلمون في مصر باتّباعهم "ضبط النفس!" بشكل منقطع النظير
مع المجلس العسكري، الذي تنضبط إيقاعاته مع ساعة المخطط الاستراتيجي
الأميركي، والذي بدوره دعا إلى "ضبط النفس" في مصر إثر المواجهات التي حصلت
بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين سئموا الحكم العسكري الذي يدين بالولاء
المطلق للولايات المتحدة والرئيس المخلوع محمد حسني مبارك. فالمتحدث باسم
وزارة الدفاع الأميركية يقول: إن الولايات المتحدة تتقاسم القلق مع الجميع
إزاء أعمال العنف، وتدعو كل طرف إلى ضبط النفس. وأعلن المتحدث أيضا أن
البنتاغون "مرتاح لرغبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية إجراء
الانتخابات" المقررة في الثامن والعشرين من الشهر الحالي.
الكل على
اطلاع كاف بأن الولايات المتحدة الأميركية حافظت خلال الثورة المصرية على
اتصالات وثيقة مع المشير محمد حسين طنطاوي وكبار القادة العسكريين في
البلاد. وهذه الاتصالات والعلاقات لا تعود إلى فترة الثورة، ولكن إلى سنوات
طويلة من العشرة "والعيش والملح" بين الطرفين. وما يهمنا في هذا الخصوص
ليس طبيعة الاتصالات والعلاقات التي تجمع بين الطرفين العسكري الحاكم في
القاهرة والسياسي المخطط في واشنطن، فليس من المصلحة الأميركية أن تنجز
الثورة المصرية كافة أهدافها، لأن ذلك يعني أن الدولة المصرية الجديدة، ذات
الطابع الديمقراطي، ستكون بالضرورة ضد المخطط الأميركي الصهيوني في
المنطقة، بل وضد المشروع الغربي الذي يرى أن هذه المنطقة يجب أن تبقى ترفل
بثوب الديكتاتوريات والتخلف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والعلمي، حتى
تبقى تدور في فلك الرأسمالية الغربية، وتبقى دولا تعيش تحت رحمة صندوق
النقد الدولي وغيره من منظومات رأس المال التي لا تتفق مصالحها مع أن تجد
مصر أو غيرها طريقا أخرى غير طريق التبعية المطلقة التي نشهدها، والتي لها
جذور تاريخية في مصر تعود إلى الاحتلال البريطاني لها بعد أن أغرق الخديوي
إسماعيل مصر بالديون ليشبع بذخه، ثم ليأتي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر
فيوقف هذا الإغراق بالديون. ومع رحيل عبدالناصر انقلب أنور السادات على
النهج الساعي إلى التخلص من السيطرة الغربية عسكريا واقتصاديا، ولتزيد
"الطين بلة" مع حسني مبارك والزمر التي كانت تحكم معه.
موقف الإخوان في
مصر ينم عن سلوك سياسي براغماتي مرفوض تجاه تطور الأحداث هناك، ويؤكد أن
مصلحة الجماعة فوق كل المصالح الوطنية في حال تعارضت هذه المصلحة مع مصلحة
الوطن.
خروج المصريين إلى الشارع من جديد، وعودة المشهد الدموي إلى
ميدان التحرير قبل نهاية مبارك، يؤكد أن المجلس العسكري المصري صورة أخرى
من صور النظام السابق. والجديد أن الإخوان المسلمين في مصر لا يريدون أن
يفهموا ذلك، بل على العكس انساقوا وراء المجلس العسكري الذي ثبت قطعيا عدم
نيته الانتقال بمصر نحو الديمقراطية والحرية والكرامة والانعتاق من السيطرة
الأميركية.
نخشى أن الإخوان المسلمين يؤمنون هم أيضا بهذا النهج، فليس
هنالك أي تفسير آخر لوقوفهم ضد الاعتصام في ميدان التحرير. فالانتخابات
المقبلة ينظر لها الإخوان المسلمون على أنها ستخرجهم من النفق، ولذلك تقتضي
مصالحهم الوقوف ضد مسيرة الثورة التي لم تنجز بعد كامل مهامها. وكلا
الطرفين، المجلس العسكري من جهة والإخوان المسلمون من جهة ثانية، يمارسان
ضبط النفس المطلوب أميركيا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن