يعتقد البعض أن الوضع الداخلي المأزوم في طريقه إلى الانفراج، نتيجة لقلة
أعداد المتظاهرين كل جمعة، وأن هذه النسب المتراجعة تعطي شعورا بالارتياح،
ولكن الارتكان إلى هذا العامل يشكل مغامرة صعبة ستكون نتائجها عكسية، ففتيل
الانفجار لم ينسحب بعد بل هو مهيأ للانفجار، لذلك فإن التعويل على عامل
الزمن ومعادلة الإصلاح مقابل الأمن لن يكون الحل للمعضلة، فالقصة تتجاوز
الإصلاح السياسي والاقتصادي إلى البحث في مكونات الهوية التي أصبحت تطرح
نفسها وبقوة بدون أن يكون هناك خيار سوى المسير إلى الأمام.
الملفات
العالقة والمؤجلة والتطمينات التي تبث هنا وهناك واللقاءات الجانبية،
والادعاء بأن الأمور تحت السيطرة؛ يؤكد أننا لم نستطع أن نتحرك بعد من
المربع الأول، والسبب بسيط أن البعض ما يزال ينظر إلى الواقع الاجتماعي
والسياسي من برج عاجي بحجة أن الأمور ستؤول إلى الانفراج بالرهان على
الوقت. هذا الاتجاه لا يعلم أن القضية أخذت منحنيات جديدة وأن ثمة تشكل وعي
سياسي جديد يستند في عمقه إلى تأصيل مفهوم الهوية الوطنية بعيدا عن سرقة
التاريخ وتجييره لصالح فئة محددة، لذلك فإن معادلة الإصلاح أصبحت ذات بعد
يتعلق بالهوية ومستقبلها، وكذلك مراجعة لكل الطروحات التي تناولت موضوع
الهوية، فهذا المُكون أكثر خطورة وحيوية وقادر على تحريك الماء الراكد،
لذلك لم يتم الانتباه إلى هذه القضية التي تؤكد أن جيلا جديدا تكون وتجاوز
كل الأطروحات التي تعظم العامل الذاتي في تبلور الهوية الوطنية استنادا إلى
اعتبار أن مؤتمر أم قيس كان عاملا وحيدا في التأسيس، وهذا التيار يحاول
صناعة مقولات تاريخية بأثر رجعي ولأهداف سياسية مستجدة، وتوظيف ذلك في سياق
السجال السياسي حول مستقبل الدولة الأردنية في سياق الخيارات المتناقضة
التي تواجهها القضية الفلسطينية وما يمكن أن تلقيه من ظلال على الدولة
الأردنية.
في المقابل ثمة تيار يعظم دور العامل الكولونيالي على حساب
العوامل الأخرى، فيلغي بجرة قلم أماني ونضالات أعضاء مؤتمر أم قيس ويقلل من
شأن تأثيرهم لصالح تقوية عامل الرغبة الاستعمارية في تأسيس الدولة ويلحق
عامل المشروع الأميري بالبعد الاستعماري، هذا التيار نشأ على ضفاف
الايدولوجيا القومية الثورية وهو يمتلك خطابا مؤدلجا ومغلقا لا يقبل
الحوار ويذكي نظرية المؤامرة. يضاف إلى ذلك التيار الذي يقول إن تشكل
الهوية الأردنية منذ بدايات تأسيس الكيان الأردني في عام 1921 كان وطيد
الصلة بالوجود البريطاني، وهذا التيار يغفل الأبعاد المحلية المتمثلة
بالخيارات الشعبية لسكان شرقي الأردن، وبالتالي يعظم من دور العامل
الخارجي. هذه الرؤية تبقى مستلبة للنظرة الكولونيالية بحيث تغدو شكلا من
أشكال الاستشراق معكوسا.
ضمن تلك السياقات الثلاثة التي أشار إليها
الزميل سامي الزبيدي في بحث سابق لمرحلة الحراك الشعبي ولد نسق جديد ينقد
الطروحات الثلاثة ويؤسس لخطاب هوية جديدة لم يتم الالتفات إليه في سياق
التحليلات التي كتبت وطرحت في العلن والسر وبقيت تركز على الفساد والإصلاح
السياسي، وأغفلت الحديث عن الصاعق الجديد لتشكل الهوية ضمن سياق عملي يختلف
عن كل الأطروحات السابقة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن