عندما أعلنت، منذ أيام، قيادات اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين أنها
تعتزم تأسيس حزب سياسي جديد، ثارت عدة هواجس حول مستقبل هذا الحزب،
والدوافع وراء تأسيسه، والأبعاد الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تُحدث
تغيرا بنيويا في البنية السياسية على صعيد العمل الحزبي في الأردن. من جهة
أخرى، ذهب البعض إلى الحديث أن المتقاعدين العسكريين هم شريحة واسعة من هذا
المجتمع، لهم مواقف وتوجهات مختلفة ولا يمكن تنميطهم ضمن إطار سياسي
مصطنع!
ويبدو أن هذه الصورة السوداوية لا تعبر عن وجه الحقيقة؛ فثمة
توجه سياسي قوي لدى اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين بأن يكون الحزب
مفتوحا لكافة الأردنيين، ذكورا وإناثا، بغض النظر عن خلفيتهم العسكرية أو
المدنية. ولذلك، فإن وجود هذا الحزب كقوة سياسية في المجتمع الأردني سيشكل
إضافة نوعية للحياة الحزبية التي تعاني من الركود النسبي إذا ما استثنينا
الثقل النوعي لحزب جبهة العمل الإسلامي الذي قد يشكل الحزب الجديد منافسا
قويا له.
وبالنظر إلى أهداف الحزب التي تتلخص في المطالبة بالعودة إلى
الدستور، وإجراء انتخابات تستند إلى قانون انتخاب يعتمد التوزيع السكاني
الجغرافي لضمان حصص المحافظات، وتشكيل قاعدة واسعة للمشاركة في الحكومات
البرلمانية المنتخبة؛ فهي مطالب ليست خلافية ومشروعة. ولكن تبقى تخوفات
يطرحها البعض تتعلق بعلاقة الحزب بالدولة التي عبر الحزب عن مواقف ناقدة
لها من خلال البيانات السابقة، وكذلك علاقة الحزب بالإسلاميين والاعتقاد
السائد أن جبهة العمل الإسلامي عصبها الرئيسي الأردنيون من أصول فلسطينية،
وهناك تحليلات تقول إن حزب المتقاعدين سيشكل تمثيلا سياسيا للشرق أردنيين،
مع أسئلة التوطين والهوية الأردنية التي تطرح نفسها بقوة.
إن تيار
المتقاعدين العسكريين اتخذ خطوة مهمة إلى الأمام من خلال بلورة رؤاه
السياسية والاجتماعية في حزب جديد. ومن الضروري أن يكون هناك شكل سياسي
يعبر عن شريحة المتقاعدين العسكريين الكبيرة. وإذا استطاع هذا الحزب أن
تكون له رؤية سياسية واضحة من خلال برنامج سياسي واضح يجيب عن أسئلة كبيرة
وكثيرة تشغل الساحة الأردنية، فإنه سيكون منافسا قويا وخاصة للإسلاميين.
وليس
هناك معنى للمخاوف التي تبديها أطراف رسمية وغير رسمية من تكتل "العسكر"
في حزب سياسي، فالتنظيم السياسي حق لهم ولغيرهم بحسب ما نص على ذلك الدستور
الأردني، وللمجتمع في هذه الحالة أن يختار بين رؤى وبرامج سياسية متعددة
تطرح في الساحة، ومن حقنا أن نعرف ما هي الأولويات التي سيطرحها الحزب، وهل
ستكون تلك الأولويات ذات رؤية شاملة تتركز على برامج سياسية واجتماعية
واقتصادية على المستوى الوطني، أم أن أولوياتهم تتركز بالدرجة الأولى على
تحسين أحوال وظروف العسكر المعيشية؟ أسئلة ننتظر مقبل الأيام للإجابة عنها!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن