يصر البعض على الحديث بلغة خشبية وسلطوية أصبحت من الماضي في التعامل مع الحالة السياسية في الاردن، وينسى هؤلاء أن سلوكاتهم السلطوية غير المجدية على مر السنوات هي التي أوصلتنا إلى الحالة التي نحن فيها من تردي الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة، وتراجع ثقة المستثمرين نتيجة هذه السياسات والممارسات الخاطئة والفساد المستشري.
الحديث في الشارع اليوم يؤكد أن المستقبل المنشود للأردن لن يكون من خلال طريقة إدارة البلد والأزمات كالسابق، لأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء كما يعتقد البعض. الملفات التي تطرح أكبر من الاستعانة بصديق لحلها، هي إرادة الشعب في استعادة هيبة الدولة التي فقدت نتيجة للممارسات التي قام بها النفر المستفيد والذي يصر أن يضع رأسه في الرمل، وعدم الإنصات إلى نبض الشارع الذي تمثل إرادة الأغلبية الصامتة فيه المئات من الشباب التي تخرج إلى الشارع كل أسبوع!
ففي منطق السياسة ومنطق الاحتجاج، لا يمكن للناس كلهم أن يصبحوا أنبياء أو يصبحوا كلهم في الشارع في ذات اللحظة، لذلك ما يحدث من تسويف ومماطلة مع فئات المجتمع المختلفة التي تعبر عن عدم رضاها على الحال الذي نعيشه، والإصرار على تسويف دور الناس في وقف مسلسل الانحدار بمقدرات الدولة يعتبر جريمة بحقهم، فهم من بناها وهم من سيحميها وهم كذلك من سيحاسب من أوصلنا إلى الحالة التي نعيشها.
 المحتجون في الشارع الذين انضم إليهم المعلمون والمتقاعدون العسكريون وأعضاء مجلس النواب الذين رفضوا الالتفاف على دورهم الرقابي وأصروا على ضرورة أن تستمر لجان التحقيق البرلمانية في عملها الذي أغضب وأخاف الكثيرين ممن عبثوا في مقدرات الوطن، وغيرهم من فئات المجتمع الصامتة، طلباتهم واضحة ومحددة؛ محاسبة الفاسدين وتعديلات دستورية تضمن مشاركة الجميع في صياغة المستقبل، لكن التعامل مع قضية المعلمين العادلة، ومحاولة طي ملف لجان التحقيق في مجلس النواب، يؤكد أن المشهد لم يتغير وأن هذه القوى تعيد إنتاج نفسها للانقضاض على كل آمال الناس في حياة حرة كريمة يكون العنوان الصريح فيها أن الوطن للجميع وكلنا شركاء في إدارته ورسم سياسة المستقبل فيه.
لغة الوصاية لم تعد تجدي والتعاليم الكهنوتية أصبحت تعاليم من الماضي، لكن الماضي يبدو أنه يطل علينا من جديد، في لغة صنمية تستخدم مفردات حداثية لتبرير الحالة المزرية التي نعيشها، وهنا يكون من المفيد التذكير بان القصة لم تعد كما يعتقد البعض، فهي أكبر من كل المفردات التي تطلق هنا أو هناك وهي مسلحة بوعي بلوره من خرج الى الشارع من عشرات أو مئات، وهم من يؤكدون على أن وضع العربة أمام الحصان والمكابرة في غير محلها ستكلف الكثير، لذلك يجب أن نقف وقفة جدية أمام أنفسنا وأمام وطننا للحفاظ عليه وعدم اللجوء للاستعارات المجازية للالتفاف على الإصلاح ومحاربة الفساد.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جهاد المحيسن