أربع جامعات رسمية تعصف بها أزمة مالية حادة وصلت أوجها في الأشهر الأربعة الأخيرة، فرؤساؤها  يدخلون كل منتصف شهر في دوامة من أجل توفير رواتب أعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية وسط أجواء اجتماعية قلقة، ووسط مجتمعات محلية بنت الآمال العريضة والتطلعات الواسعة على هذه المؤسسات التعليمية، بل وحملتها أعباء أكثر من إمكانياتها في ضوء تراجع قدرة الدولة في الوصول لتلك المجتمعات بالتنمية.
  تعاني جامعات مؤتة والحسين بن طلال وآل البيت والطفيلة التقنية من عجز مالي ارتبط عند اثنتين منها بالتأسيس، وهما جامعة الحسين بن طلال وجامعة الطفيلة. وتفاقمت الأزمة بشكل كبير العام 2006، ما دفع الحكومة للتعهد بدفع ديون مجموعة من الجامعات، ولكن الأزمة المالية تواصلت نتيجة تراجع الدعم المباشر من الحكومة واستمرار رسوم الجامعات بمعدلاتها منذ سنوات مع استمرار نمو النفقات. ووصلت الأزمة هذه الأشهر الى ذروتها مع إغلاق الحكومة كل أبوابها أمامها، ما يدق ناقوس خطر كبير؛ فبعض الجامعات اضطرت خلال آخر شهرين إلى كشف حساباتها الجارية لدى البنوك التجارية لسقوف تجاوزت المسموح به، ولن تسمح تلك البنوك لبعضها بالمزيد من السحب؛ ما يعني أننا سنكون أمام أزمة حقيقية نهاية هذا الشهر أو في أكثر تقدير الشهر القادم.
 هذه الجامعات موجودة في أفقر أربع محافظات، وتشترك في أنها أنشئت في ظروف اقتصادية صعبة عانت منها البلاد، لذا لم تتمكن هذه الجامعات من الحصول على فرص تمويل عادلة من الدولة كما حصل مع الجامعات التي شيدت في أوقات كانت الظروف الاقتصادية أفضل، وانعكس ذلك على البنية التحتية وإنشاء الكليات والبرامج الدراسية وتكوين الكوادر الأكاديمية. وجميع هذه الجامعات أنشئت بقرارات سياسية ولهدف تنموي ولم تكمل الدولة مسؤوليتها حيالها. وقد نجحت نسبيا في تحريك التنمية المحلية في مناطقها، وفي بعض المحافظات تكاد تكون قصص النجاح الوحيدة في تلك المحافظات، وجميع هذه الجامعات تتحمل مسؤولية مجتمعية مضاعفة، فهي المؤسسات الكبيرة الوحيدة في مناطقها وتعول عليها وتطلب منها المجتمعات المحلية أن تكون وكالة تشغيل ومؤسسة تنمية اجتماعية، قبل القيام بمهامها التعليمية والبحثية. كما لا يمكن إعفاء الجامعات وإداراتها من سوء التخطيط لإدارة الندرة في مواردها.
 المطلوب الالتفات السريع لأحوال هذه الجامعات، ليس بوضع مبلغ ما في حساباتها، لتعود الأزمة تطل برأسها من جديد. هناك حاجة ماسة لتدخل جريء من الدولة لإنقاذ الأوضاع المالية للجامعات دون المساس باستقلاليتها كجزء من الإدراك بالمسؤولية عن التقصير في تنمية المحافظات. يتمثل ذلك على سبيل المثال بفتح حساب طوارئ مشترك للجامعات يمول بخمسين مليون دينار على مدى ثلاث سنوات، يطلب من كل جامعة خطة عمل لتطوير وتصويب أوضاعها المالية لكي تصل في نهاية المدة إلى حالة من التوازن والاعتماد الذاتي مع بقاء الالتزام الحكومي بتوزيع العوائد السنوية بالتحيز الإيجابي لهذه الجامات لخمس سنوات قادمة.
 في المقابل يطلب من الجامعات خطة طوارئ مالية لثلاث سنوات تقضي بوقف النفقات الانمائية ووقف أي توسع أكاديمي فيها وخفض خطط الابتعاث إلى النصف والالتزام بمعايير واضحة وشفافة لحوكمة الجامعات وتحديدا الإدارات المالية، والتركيز على نوعية التعليم والبحث العلمي التطبيقي والمساهمة في تنمية المجتمعات المحلية. ويمكن أن يلعب صندوق تنمية المحافظات دورا في توفير جانب من التمويل. هذا التحول الهيكلي ممكن وقابل للتطبيق اذا ما بدأ اليوم، في المقابل فثمة أزمة طاحنة تنتظرنا اذا ما تركنا الأمر للمزيد من التفاقم، ما سيحرك طبقات راكدة ولكنها قلقة من التهميش والإهمال

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد