كلنا ينتظر بفارغ الصبر المنظومة القانونية التي تمهد لحياة سياسية مبنية على أسس جديدة، تبتعد عن النسق التقليدي الذي خبرناه لسنوات طويلة. ولكن في كل مرة نحبط نتيجة الإصرار على البقاء في المربع الأول في معادلة الإصلاح، وهو البقاء في دائرة المراوحة والتلكؤ في إنجاز حقيقي على أرض الواقع، والخوف من أن الإصلاح لن يأخذنا إلى بر الأمان والانتقال إلى الدولة المدنية، بمنعها الحقيقي على أرض الواقع وليس على صعيد الخطاب اللفظي.
البرلمان بشقيه، الأعيان والنواب، جزء رئيسي من عملية التعطيل تلك. وهذا الحديث ليس مبنيا على رأي الشارع وحده، بل يستند كذلك إلى مجموعة الدراسات التي تم أجراؤها، سواء عبر مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أو غيره. إذ إن الاستطلاع الأخير المتعلق بحكومة الدكتور فايز الطراونة لخص الحالة السياسية والاقتصادية بغلاء الأسعار، والفقر، والبطالة، والفساد، وعدم تحقيق الإصلاحات السياسية المطلوبة، وعدم الثقة بقدرة الحكومات على تنفيذ الإصلاحات، وآلية تشكيل الحكومات، يضاف إليها الموقف السلبي من البرلمان.
بالتالي، ووفق تلك النتائج، يجب علينا أن لا نعول كثيرا على المخرجات التي تأتي من البرلمان، لعدم ملاءمتها للواقع السياسي الجديد الذي فرض شروطه على مستقبل الأردن. وبالتالي، فإن المؤسسة التشريعية تصر على مكافحة الإصلاح، وذلك لأنها المؤسسة القادرة، وفق سياق دستوري، أن تقوم بهذا العمل، وتمتلك الشرعية الكاملة في ممارسة عملها هذا، ولا يستطيع أحد أن يسجل أي اعتراض على قراراتها. وتحت هذا البند تندرج جميع القوانين المتعلقة بالإصلاح.
من ذلك، التعديلات التي أدخلها الأعيان على قانون الأحزاب السياسية، وخالفوا توصيات اللجنة القانونية، بالإصرار على أن لا يقل عدد المؤسسين لأي حزب عن خمسمائة شخص وأن يكونوا من جميع محافظات المملكة وأن لا تقل نسبة النساء بينهم عن عشرة بالمئة ونسبة المؤسسين من كل محافظة لا تقل عن خمسة بالمئة. وكان قرار النواب السابق قبل الموافقة على قرار الأعيان هو أن يكون عدد المؤسسين لأي حزب 250 شخصا على الأقل. وبررت الأغلبية النيابية قرارها بالموافقة على قرار الأعيان بأنه "يهدف إلى خلق حياة حزبية حقيقية وليس (دكاكين حزبية)"، كما وصفها بعض النواب. وموافقة النواب على قرارات الأعيان عودة عن الحياة الديمقراطية، وتكريس للنمط السياسي السائد، ولجم لأي محاولة حقيقة للإصلاح.
نحن إذن أمام هجمة منظمة على الإصلاح بوسائل ديمقراطية. وهذه الهجمة غير الموفقة تهدد مستقبل الإصلاح السياسي. فليس من المعقول أن توضع شروط تعجيزية لتأسيس الأحزاب، خصوصا أن الترويج لثقافة الخوف من انضمام أفراد المجتمع إلى الحزب ما تزال هي المسيطرة، فهل حقا نحن نسعى إلى الإصلاح في سياق الخوف منه؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن