أحسنت الهيئة المستقلة للانتخاب بتطوير عملية الاقتراع وفق الإجراءات الجديدة التي تنهي الى دون رجعة الطريقة التقليدية في تصويت الأمّي، وطالما كانت منفذا لشراء الذمم وإفساد الانتخابات وانتهاك الحق في سرية الاقتراع. يحدث ذلك بالتزامن مع مشاركة الأردن الأسبوع الماضي باليوم العربي لمحو الأمية؛ حيث حقق الأردن واحدة من أفضل نسب تراجع الأمية في الدول النامية التي وصلت إلى نحو 6 %، فهل يشير ذلك الى آفاق جديدة محتملة من محو الأمية السياسية، وتحديدا في بعدها الديمقراطي؟ وأين موقعنا من تعلم الديمقراطية ونحن نعيش عثرات وحسرات الربيع العربي في أجواء مملوءة بالأمية السياسية الديمقراطية إلى جانب الأمية الأبجدية.
لقد كان تصويت الأميين العلني في الدورات الانتخابية السابقة أحد أبرز مثالب إجراءات الاقتراع التي لم يتسرب منها فساد عملية الاقتراع وحسب، بل عبَر من خلالها بسهولة ويسر؛ ففي بعض الدوائر الانتخابية في آخر ثلاثة انتخابات على أقل تقدير كان الانتخاب الأمي سمة بارزة ومعتادا عليها وتمارس داخل قاعات الاقتراع بدون قاهر ولا رادع؛ حيث شكّل المال السياسي غير الشرعي أحد خلفيات هذه الظاهرة؛ وبرز ذلك بوضوح في انتخابات عام 2007 التي سيطر عليها نمط من المال السياسي غير الشرعي الذي يطلب ضمانات علنية على جرائمه، إلا أن خلفيات أخرى تدفع بعض المرشحين إلى هذا النمط من المشاركة السلبية منها التحالفات الانتخابية والولاءات العشائرية التي تفترض إثبات الولاء الانتخابي بالتصويت العلني.
الخراب الذي شهدته العملية الانتخابية في أبعادها الإجرائية والتشريعية خلال السنوات الماضية ما يزال يشكل الصورة الذهنية عن الانتخابات في الوعي العام، ما يتطلب من الهيئة المستقلة جهودا جبارة لتغيير هذه الصورة، ولن يتم ذلك إلا بالعمل على الأرض وبالنتائج، ما يدفعنا إلى دعوة المجتمع السياسي إلى النظر بجدية وبانتباه الى أن ما انجزته الهيئة خلال شهور قليلة وهو ما يتجاوز الضمانات التشريعية والاجراءات، الى الدخول الفعلي في حيز جودة العملية الانتخابية في الإجراءات الانتخابية وفي تأهيل الكوادر وتدريبها في مختلف المهام الانتخابية وفي التوعية والتثقيف الديمقراطي. تصوروا لو أن هذه الجهود النوعية قد سبقها قانون انتخاب توافقي يجتمع الأردنيون حوله، حتما ستشكل هذه التجربة خبرة مهمة في تعلم الديمقراطية وسننتقل في الحديث من مرحلة نزاهة الانتخابات إلى جودة العملية الانتخابية وكفاءة مخرجاتها.وبالعودة الى تصويت الأميين، فإن المسألة شكلت تحديا حقيقيا في الديمقراطيات الوليدة وبالتحديد في المجتمعات التي تتجاوز فيها نسب الأمية ربع السكان، ووصفت عملية اختراق حق السرية بأنها كارثة انتخابية، حتى أن بعض الأصوات في بعض الدول المجاورة دعت إلى حرمان الأمّي من حقه في التصويت، ومنها مطالبة المثقف الكبير علاء الأسواني بذلك واعتباره أن أضرار تصويت الأميين أكثر خطرا من حرمانهم من التصويت. المهم أن التجربة الأردنية المنتظرة تحتاج إلى ضمانات فعلية على الأرض لجعل مسألة تصويت الأميين ذكرى من الماضي.للأسف فالأمية الديمقراطية والسياسية لا تتوقف عن حدود وسلوك الناخبين، بل الأخطر من ذلك كفاءة وممارسات المرشحين، ولعل الفرصة التي وفرها التلفزيون الأردني للتعرف على أفكار وبرامج رؤساء القوائم العامة تثيرعلى الأغلب الحزن والإحباط، وتعيدنا إلى المربع الأول؛ فأمامنا طريق طويلة في تعلم السياسة والديمقراطية، ترجعنا إلى مقولة أفلاطون القديمة "إن الثمن الذي يدفعه العامة والطيبون لقاء عدم مبالاتهم بالشؤون العامة هو أن يحكمهم الأشرار".
بقلم: د.باسم الطويسي
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي العلوم الاجتماعية جريدة الغد