العنف أصبح يضرب بلا هوادة، والأسباب مختلفة. لكن هذه المرة ما حدث في جامعة مؤتة ليس مفصولا عن السياق الاجتماعي العام الذي يعبر عن حالة احتقان عامة تعصف بالأردن، أسبابها واضحة للجميع. وليس سرا أن ما يحدث من تصعيد اجتماعي للعنف له من يروجه، أو يغض الطرف عنه في أحسن الأحوال.
تحويل الجامعات من دوائر لإنتاج المعرفة إلى دوائر تنتج العنف والاحتقان الاجتماعي وترويج ثقافة الكراهية والدم، أصبح أمرا لا يمكن السكوت عنه، ويؤشر على مدى تردي الوضع في الجامعات. 
قبل شهر ونصف الشهر، كنت شاهد عيان على "هوشة" في الجامعة في الشارع الذي يفصل بين كليتي الاقتصاد والآداب. المشهد مخيف؛ الضرب من كل مكان، والأمن الجامعي يتفرج. كنا طلبة في جامعة مؤتة، وبعدها طلبة في الجامعة الأردنية، وما بينهما في الجامعة اللبنانية، ولم نشهد هذا السقوط إلى الهاوية كالذي نراه الآن.
كان ثمة مشاجرات بسيطة يتخذ بحق المشاركين فيها إجراءات رادعة، وثمة ضبط اجتماعي تتم ممارسته من قبل مختلف مؤسسات المجتمع. اليوم الحالة مختلفة والظروف مختلفة. عشرات السنوات من ثقافة التجهيل تمت ممارستها، كما ثقافة العنصرية وتربية النزعات الإقليمية والعشائرية، وطغيان ثقافة الفرد على حساب ثقافة الوطن. غابت مفاهيم الأمة، الوطن، الإنسان.. لتحل محلها "أنا" المصحوبة بحالة مرضية، وهذا كله ليبقى المجتمع منشغلا عن الأحداث السياسية والاقتصادية التي تعصف به، ويصبح بعيدا عنها مشغولا بأمور تافهة.
يجب إعادة النظر في أسس القبول الجامعي، يجب إنهاء قصص القبولات المجانية التي لا تتم وفق أسس علمية تسمح للطالب المجد المجتهد أن يكون هو الفيصل في رسم المستقبل. وليس لمجموعة من الطلبة بعيدين كل البعد عن المعرفة، جاؤوا على أكتاف آخرين، ليكونوا على مقاعد الدراسة. الجامعات مفرغة من مضمونها العلمي والسياسي والاجتماعي، وأصبحت مرتعا لتصدير ثقافات معادية للمجتمع، والكل يمارس الصمت عن قصد. ليس هناك نشاطات حقيقية يتم الحديث عنها، بل مجرد شعارات ترفع هنا وهناك، ومهرجانات للهتافات والغناء الباهت.
تفريغ الشباب في الجامعات والشارع من أي قيم سياسية وتربوية، وتعزيز الولاءات المحلية والعشائرية والإقليمية، وتغييب قيمة الهوية الوطنية الجامعة، والعمل الدائم والمنظم على تفكيك الشباب، هي السبب الرئيسي للعنف الذي أصبح كذلك يطارد الإصلاحيين والناشطين بحجة حماية الأمن. والحقيقة أن كل ما يجري تتحمل مسؤوليته كل أجهزة الدولة بدون استثناء، ويدلل على أن ما يحدث مخطط له بعناية لكسر رقبة الإصلاح، بحجة الحفاظ على الأمن الواهم الذي سقطت ورقة التوت عنه.
مؤتة سيناريو لقادم غير مرغوب فيه. والظاهر أن هذا غير المرغوب فيه.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جهاد المحيسن