ما إن هلّ هلال العيد، حتى كان سجال الانتخابات والمشاركة فيها أو مقاطعتها هو الأكثر حضورا، وبدا الحديث عنها ملازما للحديث عن الفساد والمراوحة في معالجة الملفات المتعلقة به وبعملية الإصلاح السياسي. والسائد عندنا أن الحديث في السياسة في العيد يكون ذا حضور معنوي خفيف، ولكن في هذا العيد كان حضور السياسة أكثر.
والثابت أن الثقة مهزوزة بالمستقبل. وهذا لم يعد سرا يخفى على أحد؛ فقد أشار عبدالإله الخطيب، رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، إلى أن واقع الحال يشير إلى "أن الثقة غير موجودة" بالعملية الانتخابية. عازيا ذلك إلى "العبث والتصرفات الرعناء التي حدثت في انتخابات ماضية"، إذ "لم تمارس من جهة واحدة، وإنما من ناخبين ومرشحين، ويمكن أيضا (أن تكون مورست) من جهات رسمية".
لم يجانب الرئيس الصواب عندما قال إن الثقة بالعملية الانتخابية غير موجودة. لهذا، لا نستغرب عدم الإقبال على التسجيل للانتخابات، بصرف النظر عن "بروباغاندا" الدولة ضد الإسلاميين، والحث المستمر على التسجيل. والقضية برمتها هي قضية ثقة، والمواطن فقد الثقة بالمؤسسات جميعها!
وربما عن عمد تعامل الناس بخلاف المتعارف عليه في مناسبة العيد، تلك المناسبة التي تدفع بالجميع الى التقارب والتزاور، ونسيان المشاكل أو تجاوزها، فتغدو القلوب والنفوس والنيات صافية؛ إذ يصبح العيد مناسبة جميلة تجمع الجميع، مهما كانت التقاطعات والاختلافات كبيرة. لذلك، تعد مناسبة العيد فرصة للتصالح وإعادة الوئام ونشر المحبة والتسامح بين الجميع.
قيمة الجوهر الإنساني للعيد فيما يمثله من قيم عظيمة للتسامح والتعايش والتصالح، والتشارك في حياة هادئة متوازنة منتِجة، قوامها الود والمحبة والسلام. وغالبا ما تشكل المناسبات المباركة نقطة شروع ببدايات صحيحة، سواء في العلاقات الفردية أو العائلية أو السياسية أو سواها، إذ يلتقي الفرقاء بقلوب نظيفة ونوايا نظيفة، وأهداف نظيفة أيضا، لتبدأ رحلة جديدة من التعاون المتبادل تصب في صالح الذات والجماعة معا. ولا بد من التأكيد أن الطريق لا تُزرع بالورود دائما، بمعنى أنه ربما لا تلين قلوب أو عقول أو ميول البعض حتى في مناسبة مثل عيد الفطر، فتبقى المواقف متعنتة، وتبقى الأحقاد قائمة، بل تبقى السلوكيات المتخلفة هي التي تحكم سلوكيات البعض وأفكارهم.
العيد كان يأتي سرا، وكنا نقبله على سريته وعفويته. أما الآن، فالعيد يأتي والثقة تكاد تكون معدومة بمستقبل أفضل. وهذه الحال تقتضي إعادة النظر في فقدان الثقة تلك، لأن المشهد يقتضي إعادة الاعتبار لهذا المفهوم "الثقة"، وبخلاف ذلك تكون نتائجه غير متوقعة.
الجميع معنيون بإعادة الثقة للناس، ولو كان الثمن مرحليا تأجيل الانتخابات، والبحث عن بديل قانوني للعملية الانتخابية برمتها لخلق الثقة المفقودة التي كانت سمة العيد البارزة!+
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن