أعلنت الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، أن الأموال المتوفرة للتعامل مع موجات اللاجئين السوريين إلى الأردن توشك على النفاد. فيما أعلنت المتحدثة باسم صندوق الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف": "نحن مفلسون". هذا بينما الالتزامات الإنسانية تزداد أضعافا مضاعفة.
الموقف على الحدود الشمالية، حسب شهادات شهود عيان، يقترب من كارثة إنسانية كبيرة. فالأردن يشهد أسوأ أزمة لجوء عرفها العالم منذ ثلاثة عقود، وفي أسوأ ظروف اقتصادية وعامة يواجهها؛ ومن المتوقع أن يصل عدد اللاجئين قبيل نهاية هذا العام إلى نحو 1.2 مليون لاجئ، بينما يصل معدل التدفق اليومي نحو 2000 لاجئ، معظمهم من النساء والأطفال والعجزة. وفي مخيم الزعتري وحده، هناك أكثر من 60 ألف طفل في أوضاع إنسانية سيئة.
كنا نقول إلى وقت قريب، إن الأردن يملك واحدة من أقوى وأطول الخبرات في العالم على صعيد إدارة اللجوء، بأبعاده السياسية والإنسانية واللوجستية. وكنا نقول إلى وقت قريب أيضا، إن النخبة السياسية الأردنية هي الوحيدة التي أدركت منذ البداية كنه الأزمة السورية، وكان تقديرها للموقف هو أن النظام في دمشق أقوى من أن يسقط على طريقة الربيع العربي، وأن الأزمة مقيمة هناك لسنوات. ومع كل هذه التقديرات، نكتشف اليوم أن إدارة اللجوء في الملف السوري توصف بالارتجال وسوء التقدير. وبحسب رئيس المركز الوطني لحقوق الإنسان، فإن "الخطوات العملية التي تمت في استقبال وتأمين الحماية والإغاثة للاجئين كانت غير مدروسة؛ حيث لا توجد استراتيجية متكاملة للتعامل مع قضية اللاجئين، بل إن التعامل مع هذه القضية اتسم بأسلوب رد الفعل والارتجال".
تبدو النتائج في حالة أشبه بالفوضى؛ فما هو موجود اليوم على الحدود الشمالية ليس بمخيمات، ولا تنطبق عليها مواصفات المخيمات في العدد والموقع، وفي طريقة الإدارة، علاوة على الاشتباك المباشر مع المجتمعات المحلية، وغياب دور المؤسسات الوطنية الأردنية، وعلى رأسها الهلال الأحمر الأردني، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني عن جهود الإغاثة وإدارة اللجوء. هذا في الوقت الذي تتفاقم فيه أزمة اللجوء كل يوم، وأصبح من المؤكد أن الغد أصعب، ولا توجد في الأفق استراتيجية وطنية واضحة الملامح لمجرد كيف نسقي هؤلاء البشر ماء في الصيف المقبل.
المدخلات السياسية الجارية حاليا على طريقة فزعة بعض النواب، والخطاب البغيض الذي ينشر الكراهية، كلها تحرم الأردن من فرصة تطوير ملف إنساني عالمي صادم للرأي العام الدولي. فما يجري يحتاج إلى كشف سياسي إنساني حقيقي، ويتطلب أن لا يتوقف التساؤل عن تقاعس عشرات الدول عن واجبها. بل هناك مئات المؤسسات الدولية والمنظمات الإنسانية التي غابت عن الحدود الشمالية، وهي التي طالما كانت حاضرة بقوة في دارفور وباكستان وأفغانستان، والعديد من الدول.
خلال آخر عقدين، طورت السياسة الدولية من الحاجات الإنسانية مبدأ لتغيير العالم، بل والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحتى احتلال دول أخرى ونزع سيادتها بحجة التدخل الإنساني. ومع كل هذه التطورات، لم تستطع الدبلوماسية الأردنية تطوير خطاب كاشف لحجم الكارثة الإنسانية الواقعة حالياً والمنتظرة قريباً، والتي تقابل باسترخاء ولامبالاة من المجتمع الدولي، وعدم رغبة في تقديم العون والمساعدة لهؤلاء اللاجئين، والاكتفاء بإدارة الأزمة مهما طال أجلها.

 

بقلم: د.باسم الطويسي


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة   د.باسم الطويسي   العلوم الاجتماعية   جريدة الغد