أحد التقديرات الموضوعية يرى أن الفساد تراجع خلال آخر عامين، ولكن لم يتم إيقافه، بل أصبح الفاسدون أكثر حيطة وحذرا؛ بمعنى أن ثمة هدنة لبعض الوقت. فإلى هذا اليوم، لم يصل للرأي العام أي جديد من اللجنة الملكية للنزاهة ومراجعة تشريعات وإجراءات مكافحة الفساد، والتي مر على تشكيلها أكثر من أربعة أشهر.
موجات الفساد التي يتابعها الإعلام آخذة في التنامي بشكل ملاحظ، والأخطر فيها ملف فساد الغذاء والدواء، المرتبط بحياة الناس اليومية، ومصير أسرهم وأطفالهم. وهذا النوع من قضايا الفساد أكثر قدرة على إثارة مشاعر الناس وعواطفهم، وتحريك وعيهم نحو مصادر الخطر باعتبارها تهدد الجميع، وكل فرد لديه الحق والمبرر في أن يعتبر الفساد موجها إليه شخصياً.
تتحدث الأخبار عن شحنة قمح فاسدة، فيها حشرات وفضلات فئران، قادمة من إحدى دول أوروبا الشرقية، رُفضت من قبل مصر والسعودية، ودخلت الأراضي الأردنية.
الصبر السياسي الطويل يدخل العامّة إلى العمق، وتصبح التفاصيل في صلب الأولويات، ما يغير مضامين الوعي الاجتماعي. وفي هذه اللحظة، أي حينما تصل العامة إلى التفاصيل، تتغير حتما قواعد اللعبة، ولا يعود بالإمكان تمرير التصنيع السياسي للنخب والمواقف، ولا قبول مبررات للأزمة الاقتصادية-الاجتماعية، ولا إعادة إنتاج الوظائف التقليدية للدولة في العلاقة مع الإقليم والعالم في المجالات السياسية والاستراتيجية.
على مدى أكثر من عامين، كان الشعار الأساسي للحراك الشعبي هو اجتثاث الفساد، ومحاكمة الفاسدين. وعلى الرغم من ازدحام حركة الملفات بين الحكومة وهيئة مكافحة الفساد وصولاً إلى المحاكم، فإننا لم نصل إلى محاكمة جادة للفساد في يقين الحراك الشعبي الذي شكل أكبر حركة احتجاجية وطنية، وأكثر حركة احتجاج في الربيع العربي سلمية وتنظيماً. فالدولة لم تصل إلى محاكمة جادة، ولو في قضية واحدة من قضايا الفساد، فيما استهلكت سلطات الدولة الثلاث وقت الناس فيما يشبه حملة إعلامية خطط لها ونفذت بكفاءة عالية، عنوانها مكافحة الفساد بحرب كلامية مجردة من كل الأسلحة، فيما لم تخل المعركة الإعلامية من الدسم السياسي وتصفية الحسابات.
هل فشل الحراك الشعبي والمجتمع في انقاذ الدولة، أم أن الفساد أقوى من الجميع، أم هل كنا خلال العامين في تمرين وهمي اسمه مكافحة الفساد؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد