في ظاهرة تستحق الوقوف عندها مطولا، فإن ما يجري في مخيمات اللاجئين السوريين يندى له الجبين. إذ ثمة سوق نخاسة تشكل على خلفية العوز الشديد الذي يعيشه هؤلاء اللاجئون، خصوصا النساء منهم. إذ بدعوى الستر يتم تزويج هؤلاء النساء، من صغار السن وكبارهن، لرجال عرب، والوسطاء في ذلك بعض العاملين في المنظمات التي تدّعي أنها إنسانية!
هذا الشكل من التعامل مع المنكوبين السوريين يعتبر من أبشع وسائل الاستغلال التي تتم بحقهم. وتلك الحالات الشاذة تذكرنا بازدهار أسواق النخاسة قبل الإسلام. والقضية لا تتعلق بحالة أو حالتين، بل نتحدث عن ظاهرة أصبحت تستدعي مراجعة ظروف عيش اللاجئين، والضرب بيد من حديد على من يروج لهذا السلوك اللاإنساني.
وأنا انقل هنا شهادات من صديقات وأصدقاء عاملين في منظمات دولية، عن طبيعة ما يجري من انتهاك صارخ لأبسط قواعد الإنسانية، إذ يتم تزويج البنت لأسابيع قليلة ثم يجري تركها. وثمة خطاب ديني بشع يتم ترويجه للقيام بمثل هذا العمل الشأن. وأنا على يقين أن المحرك لمثل هذا السلوك البشع هو الغريزة والغريزة وحدها؛ فالدين ممن يدعون الوصاية عليه براء.
حالة اللاجئين السوريين حالة بائسة، ولكن فيما يخص النساء يبدو المشهد أكثر بؤسا. والوضع في تصعيد مستمر؛ فليس هناك ضوابط تمنع أو تحد، في أقل تقدير، من هذا العمل، ويتم الترويج له بحجج واهية، لا ينطبق عليها سوى وصف واحد "السبايا".
علينا وعلى الحكومات التي تستضيف هؤلاء اللاجئين أن نقوم بمسؤوليتنا الإنسانية تجاه ما يحدث، وعدم ترك المجال لاستغلال هؤلاء اللاجئين من قبل بعض الأشخاص والمنظمات الذين يتعاملون معهم بطريقة غير إنسانية وغير أخلاقية. وعلينا جميعا القيام بحملة توعية كبيرة للحد من تنامي هذه الظاهرة الغريبة، والتي تتنامى يوما بعد يوم. والحجج والمبررات التي يقدمها أنصار مدرسة التزويج هذه تثير الغثيان والقيء في حالات كثيرة، لأنها ببساطة تباشير ردة عن القيم الإنسانية، تغلف في إطار ديني باهت الشكل والمضمون!
صناعة النخاسة الجديدة استدعت مجموعة من السوريين لإطلاق حملة بعنوان "لاجئات لا سبايا"، تهدف إلى نشر الوعي بالنسبة لعروض الزواج التي ترد إلى اللاجئات السوريات بقصد الزواج، خاصة من بعض عرب أثرياء تحت عناوين السترة والمساعدة.
وأصدرت المجموعة بيانا جاء فيه: إنها صرخة لأجل موضوع إنساني ووطني يقلقنا.. إذ لا يمكن السكوت عن النخاسة الجديدة المقنعة بعناوين فضفاضة، ليس أولها السترة وليس آخرها الزواج وفق الشريعة. وفي الوقت الذي يتعرض فيه المجتمع السوري للتشريد والحرمان، فإن هذه الحلقة بعد تشرد السوريين تعتبر من الأصعب والأخطر.. فهل نقوم نحن أيضا بواجبنا تجاه ما يحدث؟

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جهاد المحيسن