ما حدث في مجلس النواب الأسبوع الماضي لا يتوقف عند مناسبة نيل الحكومة للثقة، والتي كانت تحصيل حاصل في قناعات واتجاهات واسعة من الناس وقادة الرأي، بل يمتد ما حدث إلى العملية السياسية الصعبة والمرهقة التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الثلاثة الماضية؛ منذ بدء المشاورات لتشكيل الحكومة، وصولا إلى يوم الثقة، وما أفرزته من اتجاهات واصطفافات سياسية، البعض يرى أنها نتيجة طبيعية لخرائط جديدة أو محتملة لتوزيع القوة السياسية، مقابل وجهة نظر أخرى ترى أن المشهد مصنّع وتم إخراجه بدقة ومعاناة.
في كل الأحوال، نحن أمام حكومة شُكلت بطريقة جديدة؛ ليست برلمانية بالمعنى السياسي والمهني، وليست تقليدية بالمعاني والمقاييس السياسية الأردنية التقليدية. وكذلك أمام علاقة جديدة بين البرلمان والسلطة التنفيذية، فيها الحد الأدنى الممكن للحديث عن حياة سياسية. وما تزال أمام الحكومة مرحلة جديدة للوفاء بالتزاماتها بتوزير النواب الذي ربما يجعل الحكومة أمام استحقاق أكبر من التعديل، إلى ما يكون أشبه بإعادة التشكيل.
أسئلة كثيرة، فيها الكثير من المنطق، طُرحت حول مدى ما تعكسه التطورات السياسية تحت قبة البرلمان من تحولات جدية في المواقف؛ ومدى ما تمثله من ميلاد تيارات سياسية تعيد فرز وتشكيل المعارضة من جديد؛ وما إذا كانت هذه التيارات والقوى الجديدة في مواقفها من الحكومة، تستطيع الاستمرار وبناء تراكم سياسي حقيقي على الأرض، يمارس معارضة سياسية برامجية؛ وما هي فرص هذه التيارات في الالتقاء مع قوى المعارضة التقليدية الممثلة بالحركة الإسلامية الموجودة في الشارع. فعلى الرغم من كون تيار المعارضة البرلمانية في أغلب رموزه يمثل القوى المحافظة في البرلمان، وبالتصنيف السياسي تأتي الحركة الإسلامية قوة سياسية محافظة، إلا أن فرص تكوين جبهة معارضة وطنية ضئيلة ومحدودة.
هل ثمة فرصة لولادة قيصرية للسياسة، تحد من هيمنة الثنائية التقليدية بين الحكومات ومعارضة الحركة الإسلامية؛ وهي الثنائية التي طالما أوجدت مبررات أمام القوى التقليدية لإعاقة الإصلاح؟
من المفترض، عمليا، أن البلاد اليوم توجد فيها ثلاث قوى تتقاسم القوة السياسية في المجتمع والدولة، هي: الحكومة وحلفاؤها، والمعارضة البرلمانية وحلفاؤها، والمعارضة الإسلامية وحلفاؤها. لكن الأمور لا تسير وفق هذا التصور الذي توجد فيه إمكانيات لميلاد حياة سياسية، لأن خطوط التقسيم والتماس لا تتم على أسس سياسية؛ كما أن إدارة العلاقات المحلية كثيرا ما تتم على أسس غير محلية؛ والأهم من ذلك كله أن المجتمع السياسي، وبعد عقود طويلة من نشأة الدولة وتمأسسها، لم ينتج القيم السياسية الكبرى، ولم ينجز التوافقات التاريخية التي يفترض أن يختلف الجميع تحت سقفها.
المهم في وسط كل هذه الدوامة السياسية غير الناضجة، أن الاحتمالات المفتوحة على كل الاتجاهات، محكومة في هذا الوقت بمسألة توزير النواب التي ستجعل كل التحولات الجارية بلا معنى حقيقي، وتُفقد المجلس ما تبقى له من وزن في العملية السياسية، وفي أوساط الرأي العام، وتجعل من الولادة القيصرية الجارية ولادة كاذبة
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد